عائشة سلطان
في كل مرة تحاور الشباب بمنطق النظريات والحجج ووسائل الإقناع والاقتناع، تقول عجوز من عجائز البيت جملة تنهي بها الجدل وتختتم الكلام، بعبارة بسيطة، ببيت شعر بليغ، بحديث نبوي، بآية قرآنية، بحكاية حدثت أيام زمان في أحياء المدينة القديمة، في آخر تجمع لشباب العائلة، كان موضوع التغيير والثورات وتلك الحكايات التي تتردد عبر وسائل الاتصال الحديثة عن محاولات البعض تعكير صفو المجتمع بطروحات لم تجد من أحد أذناً صاغية، وعن حركة الإخوان المسلمين التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم هنا أو هناك، لإحداث المزيد من الفوضى والإرباكات التي لن تخدم إلا دعاة الفوضى والتخريب.. كانت هذه عناوين الحديث الدائر بين الشباب، فإذا بعجوز حكيمة تقتحم الحديث ببيت شعر فتقول لهم:
ألا يادار لا يدخلك حزن ولا يغدر بصاحبك الزمان
وتذكرت أني قد قرأت هذا البيت للوهلة الأولى التي دخلت فيها بيت الشيخ سعيد بن مكتوم في منطقة الشندغة التراثية، وقد كان بيتاً ذا عراقة وتاريخ، لقد لفتني ذلك البيت من الشعر وكان مكتوباً على حجر أبيض في مدخل المنزل الأثري، وبالمناسبة فالشيخ سعيد بن مكتوم كان حاكم دبي حتى عام 1958، وهو والد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وجد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ظل ذلك البيت من الشعر محفوظاً في داخلي، وفجأة ارتبط لدي بأمور وملابسات عديدة وأنا أسمع تلك العجوز تذكر به أولئك الشباب.
إن كل من يمر على الإمارات، ويقرأ تجربتها، يستنتج أول ما يستنتج حالة الأمن المستتب التي تعيشها الدولة، وهو أمن مكلف بلاشك وسط طوفان من الفتن والقلاقل والفوضى، يعصف بأقاليم المنطقة إلى درجة تدير الرأس وتجعل التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه غد العالم العربي صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وسط هذا المستحيل والرغبة الملحة في التدمير والتخريب والتي تعلن عن نفسها بوضوح على أيدي تيارات وأفراد يفعلون المستحيل للوصول إلى غاياتهم التخريبية، وسط ذلك كله، تنعم الإمارات بكل هذا الأمن الذي يجعلنا كإماراتيين ومقيمين وزائرين نتحرك بأمان نحسد عليه، ويوجب علينا الكثير من الحمد والشكر لله، والامتنان للذين يسهرون على استتباب الأمن.
لوكان بيدي، ومع أني لا أؤمن بالخرز الأزرق، لوضعت خرزة زرقاء ضخمة عند مداخل كل المطارات ومنافذ الدولة، فالعين حق يجب أن نحذرها، أما الذين يعيشون بين ظهرانينا ومن بني جلدتنا ويتمنون أن نقع فريسة الفوضى والاختلالات البغيضة فليس لدعاواهم مكان ولا أمل في أن تتحقق أبداً، وكل ما يمنون به أنفسهم من نجاح أو وصول، اعتماداً على ثورات حصلت في أنحاء من بلاد العرب لأسباب قد تكون وجيهة بسبب الظلم والقهر وامتهان الكرامات الإنسانية وغيرها، فإنهم يقارنون هناك بما ليس له ما يوافقه هنا، فتسقط المقارنة ويبوءون بالخسران.
لو أنهم استفتوا رجل الشارع العادي، لعلموا أن الناس لا تبيع أوطانها وأمانها واستقرارها بسهولة ولا تقايضها بالفوضى والفراغ، ولعلموا أن هذه البلاد قد عاش فيها في أزمنة سابقة أناس مؤمنون حقاً، طيبون وأوفياء، وبأنهم استودعوا هذه البلاد أبناءهم ليحفظوها ويتمتعوا بخيرها ويحموها.
بلاد كما كتب الشيخ سعيد بن مكتوم على مدخل داره، ويعني بالبيت كل الدار أي الوطن:
ألا يادار لا يدخلك حزن ولا يغدر بصاحبك الزمان
– عن الاتحاد