فضيلة المعيني
حين قررت إدارة «البيان» أن تجعل مبناها «صالة بلا ورق»، أصدرت تعميماً يضم بنوداً ترسخ هذا المفهوم. ولعل أكثر ما أثار بعض الزملاء والزميلات هو منع الطعام والشراب في المكاتب، وإلزام الجميع بتناول وجباتهم في «الكافتيريا». أما التدخين فخارج مبانيها تماماً. واعتقد هؤلاء بأن الأمر لا يعدو كونه تعميماً يصعب الالتزام به، ثم لا تلبث «حليمة» أن تعود إلى عادتها القديمة، فتعج المكاتب بأنواع «السندويتشات» والمشروبات، وكذلك «الحب أو اللب»، الذي شدد التعميم على منعه منعاً باتاً.
لكن ما حدث، ولا أقول هذا مدحاً في صحيفتي أو في زملائي وزميلاتي، أن الجميع التزم بما جاء في التعميم، وتقبلوا ثقافة «صالة بلا ورق» بكل ما صاحبها من ممنوعات كثيرة، وأصبح الهدوء والالتزام ثقافة كل من يعمل في هذه الصالة الكبيرة التي تضم جميع العاملين في الصحيفة.
هذا بطبيعة الحال حاصل في معظم الدوائر والمؤسسات الحكومية المحلية، في دبي وغيرها من إمارات الدولة، لكن ما يحدث في بعض الوزارات الاتحادية ـ وأقولها بكل أسف ـ شيء يدعو إلى «القرف»، إذ حوَّلت بعض الموظفات مكاتب العمل إلى موائد تتلقى صباح كل يوم وجبات مكونة من «ناشف لحم» و«كيما» و«براتا» و«بصل أحمر» «والذي منه»، غير آبهات بأبسط قواعد الالتزام، لا أقول بساعات عمل يتقاضين عليها أجوراً كاملة غير منقوصة، بل بنظافة مكاتب ليست ملكاً خاصاً، بل مكان مخصص لتأدية مهام رسمية، يجب الالتزام بكل ما من شأنه أن يجعل المكان رائعاً.
أتساءل وقد بالغت هؤلاء الموظفات في تناول وجبات دسمة تضر بصحتهن في الصباح وما تخلفها من روائح كريهة تزعج الموظفين، فما يتناولنه ليس من فئة الـ «صمون وجبن أو خبز خمير وعسل أو خبز رقاق وبلاليط وبيض»، كما هي حال بقية الموظفات في العديد من الدوائر.. أليس هناك من يرى في هذا التصرف، ما يستحق المنع والتصدي له. وهل يرى هؤلاء أن من يعمل في وزارات لا علاقة لها بمتعاملين يترددون عليها، أنهم في حل من الالتزام بأصول العمل، أو التقيد بساعات عمل والمحافظة على ممتلكات الحكومة، وبالتالي لا سلطان لأحد عليهم؟!.
أما السؤال البدهي؛ فهو: ما العمل الذي من الممكن أن تنجزه موظفة بعد حفلة «ناشف وبراتا وبصل» تكملها بكأس شاي «لزوم المزاج» غير آبهة بإزعاج من حولها؟!. كما أرى، ويشاطرني الرأي كثيرون، فإن مكاتب فخمة تزهو بأحدث الأجهزة والأثاث، تستحق أن تتسق تصرفات من يعمل فيها مع جمالها، وأن يتسم سلوك شاغليها بالتحضر والتمدن، لا أن تُحال إلى بقعة أشبه بـ «المزبلة».
– عن البيان