عائشة سلطان
أتذكر أنني قرأت هذه العبارة في كتاب قديم بعنوان “سياسات الخبرة” ولقد دوّنتها في دفتر صغير اعتدت أن أسجل فيه ما يلفت نظري أو ما يمكن أن أبني عليه فكرة مقال في المستقبل، العبارة لطبيب نفسي بريطاني يقترح من خلالها شيئاً مثيراً، حيث يقول “إننا نفكر بدرجة أقل كثيراً مما نعرف، وما نعرفه أقل كثيراً مما نحب، وما نحبه أقل كثيراً مما يوجد حولنا، وعند هذا المدى الضيق فنحن أقل كثيراً مما يجب أن نكون عليه”، أليس ذلك أمراً لافتاً ومحزناً، ذلك أن عدم إدراك كثير من الناس لهذه الحقيقة يجعلهم يقعون تحت وهمين: وهم القناعة بما هم عليه باعتباره أمراً محموداً (وهذا غير صحيح) ووهم آخر هو أنه لا فائدة من الاعتراض فلن يتغير شيء، فما هم فيه – حسب وهمهم – ليس سوى قدر إلهي لا يجوز الاعتراض عليه.
هذا النوع من التفكير السلبي أو العاجز وهؤلاء الناس الذين يختبئون خلف أصبعهم أو يستخدمون الدين خطأ لتبرير خوفهم أو الهروب من مواجهة مخاوفهم يرضون في الحقيقة بالتعدي على حقوقهم وبانتقاص كرامتهم، وبدفعهم لحياة لم تخلق لهم ولم يكتبها الله لهم، لأن الله يقول في القرآن الكريم وبنص صريح “وما بكم من خير فمن الله” أي أن الله لا يكتب للإنسان سوى الخير حتى وإن عرضه للاختبار والامتحان، لكنه لا يعرضه للظلم فالله يكره الظلم وقد حرمه على نفسه كما في نص الحديث وجعله بين الناس محرماً، والظلم أحد الوجوه لعدم اكتشاف الإنسان قدراته الحقيقية وليس كلها.
فلو أدرك الناس قدراتهم الحقيقية وما يجب أن يحصلوا عليه ويعرفوه حقاً وما يوجد حولهم حقاً، فسوف تتكون لديهم الرغبة العارمة للذهاب نحو الأفضل، الأفضل في كل شيء، في الحياة والتعليم والحب والصداقة والمعيشة والتنفس والتذوق واللمس والشعور والحديث والنمو و… لو أننا فكرنا بمنطق أن هناك أفضل يوجد حولنا وأفضل مما نحن فيه بكثير وأن طاقاتنا التي نستخدمها أكثر وأكبر من ذلك بكثير، لما شعر أحد بالملل والضيق والتعاسة والخذلان والظلم، ولهذا فقد أعجبني ذلك المعلم الذي كان يصرخ في تلاميذه حين يشكون له ظروفهم “فكروا في أنفسكم، وفي كل إمكانياتكم الرائعة”.
لقد خلقنا الله مختلفين ويجب أن نحافظ، بل أن ننمي هذا الاختلاف، ليس المقصود هنا إعلاء قيم الفردية أو تضخيم الأنانية، لكن أن تكون مختلفاً يعني أن تكون مميزاً، وأن تقدر اختلافك يعني أن تحب نفسك، نحن نتربى على الترفع عن حب النفس وعلى ضرورة أن نعطي ونعطي حتى النهاية ودون انتظار المقابل، وحين نقابل بالجحود نقع فريسة الشعور بالظلم والخذلان.. تلك معادلة ليست عادلة أبداً، ذلك ما نتعلمه جميعاً في معظم أطوار تربيتنا، ولذلك فنحن جميعاً نقع في المطب نفسه.
ما زلت أتذكر أننا في المدرسة – وما زالت المعلمات يفعلن الشيء نفسه – كان مطلوبا منا أن نقرأ القصيدة بالطريقة نفسها التي تفعلها أكثر البنات تفوقاً لنكون نسخة عنها حتى وإن كنا لا نطيق نلك البنت، وكانت معلمة الرسم ترسم أشخاصاً وأشجاراً على طريقتها وتأمرنا بأن نرسم أشجار جارها هي وليست الأشجار التي رأيناها في حياتنا، إن هذا ما يفعله التعليم: لا تحاول أن تعتد بما تملك، ولكن كن مشابها لزملائك إنها ذهنية إنتاج أشخاص متطابقين لا أكثر، فما الفائدة من وجود أشخاص متطابقين في هذه الحياة.
– عن الاتحاد