عائشة سلطان

مشكلة العقل العربي مع البطل وصورة البطل ودور البطل في حياتهم وتاريخهم وتصوراتهم مشكلة عويصة، مشكلة لا يبدو أنها ستحل او سيعرف العرب تفكيكها بشكل موضوعي منهجي علمي، لأنهم حتى اليوم لم يقرروا ان يستفيدوا من إرث ديكارت التجريبي، وحتى إن عرفوا وحاولوا اقتباس شيء منه، فمن الصعب على ما يبدو أن يقتنعوا بضرورة تطبيقه على موضوع البطل المخلص في وجدانهم التاريخي. إنهم بانتظار البطل منذ قرون طويلة ليخلصهم مما هم فيه، وللأسف فإن جيلا من العرب قد تربى وتأسس على أفكار أدباء ومفكرين نظروا للبطل على أنه الشجرة الأعظم والأطول والأكبر في الغابة، كما يصف عباس العقاد هذا البطل.
يذكر العقاد عن البطل، أن التاريخ عربة والعربة تجرها خيول والخيول هم أبطال التاريخ، وأن التاريخ غابة والغابة أشجار ولكن شجرة واحدة لسبب ليس معروفا لدينا جميعا نجدها أطول وأعظم من كل الأشجار، ذلك هو البطل، كما أن التاريخ قطيع من الأغنام حسب عباس محمود العقاد، وواحد من تلك الأغنام يتقدمها دون سبب واضح، فإذا هاجمت الذئاب القطيع فان هذا الذي يمشي في المقدمة يواجه الذئاب وحيدا ويموت دفاعا عن القطيع.
إذن لا عجب إذا تم تبرير التخلف العربي لعقود طويلة من الزمن على أساس أن البطل لم يأت ليوقظها، لذلك فالأمة تتخبط في الضلال والتخلف، حتى يأتي المخلص والبطل والهادي والمنقذ، ليهديها ويخلصها ويقودها للتقدم، من هنا يأتي تقديسنا للزعيم المخلص، ومن هنا تعشق الشعوب جلاديها أحيانا، وترفض الانصياع لنداء العمل والجهد الجماعي الذي وحده يصنع نهضة الأمم ومجدها، لكننا دوما نقدس الفرد، تاريخنا صناعة فردية بحتة، ثم يأتي من يعتقد أن هذه الشعوب يمككنها ان تغادر هذه الذهنية بدون تربية وتدريب وتأهيل حقيقي، ذلك لا يحدث عشوائيا او من فراغ.
لا نقول بأننا مختلفون، وأن تخلفنا بصمة جينية وراثية خاصة بالعرب تمنحهم خصوصيتهم، فالتخلف مرحلة من مراحل تطور المجتمعات وليس قدرا او سمة، ليست هناك شعوب متخلفة بالوراثة ابدا، لكن هناك شعوبا متخلفة بالإرادة أو بالتصميم والترصد، ولو ان الشعوب العربية اليوم اعملت منطق النفعية والبحث عن المصلحة بموضوعية وبشكل عملي لوجدت ان امامها فرصة تاريخية لن تتكرر، لقد خرجت شعوب دول بأكملها ضد جلاديها بدون مخلص وبدون بطل فرد، أنتجت ثوراتها وتحررها وكادت تباشر بناء واقع مختلف عما كانت عليه، لكنها بدأت تتهاوى تحت تأثيرات قصر النفس، وهذه علة تاريخية يعاني منها العرب أيضا، ولابد لهم من تعلم طريقة الخلاص منها، فصناعة المستقبل ليست نزهة نهرية سعيدة انها عملية جراحية قاسية جدا وبدون استخدام اي نوع من المخدر.
لا بطل وحيد يمكنه ان يقود المعارك ويخوض في دماء الأعداء، انتهى هذا الزمن، نحن اليوم في زمن مختلف، نحتاج لنفس طويل، ولمطاردة واعية لأحلامنا بإيمان أننا نستحقها، لكن لا ينال حلمه المستحق الا من كان جديرا به، والجدارة ليست بأننا أبناء سام او أبناء قبائل فلان وعلان، ولكن لأننا ننتمي الى تلك الفصيلة من بناة الحياة الذين يبنون ليل نهار بوعي واستحقاق، دون أن يبرروا عجزهم عن المتابعة والفعل بنظريات المؤامرة حتى وان وجد من يتآمر عليهم، فالتاريخ تأسس من مجموعة من المتآمرين ينتظر أحدهم غفلة الآخر ليسرق اراضيه وثرواته وعقله إذا لزم الأمر.. فماذا على هذا ان يفعل

– عن الاتحاد