د. محمد حسين اليوسفي
تأخر قدوم الصيف بحرارته اللاهبة هذه السنة في منطقتنا الخليجية، ففي الكويت أتانا في أواخر الشهر الفائت، واشتد في بداية الشهر الحالي. وكنت الأسبوع الماضي في دبي، وكانت الحرارة معقولة، وكنت أتمشى في شارع الشيخ زايد بعد الظهر في الظل دون أن أشعر بوطأة الحر، فالهواء كان يميل إلى الرطوبة وكان ناعماً، على عكس “اللاهوب” الذي يهب علينا في الكويت هذه الأيام فيجفف الأخضر واليابس.
ورأيت أن الجو لم يؤثر في السياحة، وخاصة أولئك القادمين إلى دبي من دول الخليج العربي، وتحديداً من المملكة العربية السعودية والكويت. فالخليجيون كانوا متواجدين في كل الفنادق التي زرتها، وفي قطارات المترو التي ركبتها، وفي الأسواق التي تبضعت منها، مما يدل على حيوية دبي، التي لنا حديث آخر حولها في مقال قادم.
موسم الصيف في الكويت هو موسم الهجرة الجماعية لقطاعات مهمة من غير الكويتيين؛ من مدرسين وأطباء ومحامين وغيرهم من المهنيين، فضلاً عن عمال البناء والخدمات. وهو أيضاً موسم للهجرة الجماعية بالنسبة للكويتيين، خاصة لكبار السن الذين لم يعد لهم أبناء ينخرطون في الفصل التدريسي الصيفي في جامعة الكويت، والجامعات المحلية الأخرى.
لذلك، تكون الحركة في شوارع الكويت مريحة في هذا الفصل، اللهم إلا في مناطق الازدحام التقليدية، كمداخل ومخارج كليات جامعة الكويت المنتشرة في أكثر من منطقة. وبما أننا تطرقنا إلى الفصل التدريسي الصيفي، فيحسن بنا أن نعطي ولو فكرة مبسطة عنه. فقد دأبت جامعة الكويت منذ ثمانينيات القرن الماضي، على إضافة فصل صيفي إلى فصول تدريسها، وهو الأول (الخريف) والثاني (الربيع).
وقد لاقت الفكرة نجاحاً كبيراً، إذ إن معظم الطلبة يسجلون في هذا الفصل كي يقلصوا من فترة تخرجهم أو يعدلوا من درجاتهم، أو يتخذوها فرصة لدراسة بعض المواد المطلوبة لمتطلبات مواد التخصص أو المواد العامة مما تعرضه الجامعة. وسيكون هذا الفصل التدريسي قصيراً هذا العام، وذلك لحلول شهر رمضان المبارك في ربعه الأخير.
ويبدو أن الصيف أصبح في السنوات الأخيرة موسماً للتسوق في دولنا الخليجية، حيث موجة “التنزيلات” تشمل جميع البضائع، وخاصة الألبسة والعطور والأثاث، وتمتد حتى للسيارات وغيرها من الأجهزة المنزلية. ومما يساعد على التسوق، تلك المجمعات المكيفة التي أصبحت تجذب المتسوقين أو من يريدون قضاء وقت جميل وكسر الروتين، ثم إن مقاهيها المتنوعة أضحت مرتعاً للقاء الأحبة والأصدقاء والمعارف.
وثمة ظاهرة بدأت بالبروز منذ فترة، وهي استخدام تلك الأسواق المكيفة “للمشي الرياضي”، حيث نجد كبار السن من الجنسين وهم يستفيدون من خلو المجمعات صباحاً للتمتع بالمشي، دون أن تعيقهم كثرة المترددين عليها ابتداء من الضحى. وتجدهم بعد أن يتمشوا ساعة أو بضع ساعة، وهم يجلسون على المقاهي.
ومن الظواهر الملفتة أن نجد سيدات كويتيات كبيرات في السن، يلبسن الملابس التقليدية وهن يمارسن رياضة المشي تلك، ومن ثم الجلوس على المقهى، هن وزميلاتهن. وهذا يدل على تغير إيجابي في النظرة إلى الحياة، من تلك النظرة التقليدية التي كانت سائدة في ما مضى.
ولا يمكن الحديث عن الصيف دون التطرق إلى الوضع العام محلياً وعربياً. أما محلياً، فإننا في الكويت نعيش في دوامة سياسية لا يعلم أحد مآلها ومرساها. وهذه لا تخص هذا الصيف، بل هي أزمة ممتدة منذ بضع سنوات. ومع مرور الوقت تتشابك في هذه الأزمة، التي كانت سياسية بحتة، خيوط طائفية وقبلية وعائلية، مما يمثل تهديداً حقيقياً للوحدة الوطنية.
ويترافق ذلك مع التطورات الإقليمية التي لها انعكاسات خطيرة على الداخل الكويتي. وتوالي هذه الأزمة وتواترها دون وجود حل يلوح في الأفق، قد أوصلنا إلى حالة من الجمود السياسي، وتوقف عجلة التنمية والتطور الاقتصادي. ويسود في الكويت التشاؤم، فلا أحد يعرف ماذا ستؤول إليه الأمور، أو سبل الخروج من الوضع الحالي.
ويحمل إلينا هذا الصيف تداعيات ومخاضات الثورة العربية التي عمت في مجموعة من الأقطار العربية، حيث البعض منها يعيش حالة الثورة كسوريا، والأخرى تعيش حالة تأسيس النظام الجديد بكل ما يحمل ذلك من صعوبات وتحديات. وأملنا أن يحمل لنا الصيف القادم وضوحاً للرؤية.
– عن البيان