د.محمد سليمان عبودي
ما يؤلم حقا في هذا الصيف ألا يستطيع الخليجيون ولا الأوروبيون السفر لا إلى لبنان ولا إلى سوريا أو تونس أو مصر أو ليبيا أو حتى اليمن ولا إلى العراق التي ما زالت تهزها التفجيرات صيفا وشتاء منذ عقود، أما الجزائر فبعيدة جداً ولم توضع بعد على قائمة دول السياحة الخليجية والأوروبية، أما المغرب فيوجد هناك توجس نفسي وهمي مرتبط بأحداث ثلاث دول عربية تقع على محاذاتها في شمال إفريقيا وكأنها أحداث تصيب أراضيها.
ولا السفر إلى فلسطين وذلك منذ أكثر من 65 عاماً. أما دول الخليج الست التي خرجت عن لائحة الدول العربية السياحية فهي لشدة حرارتها في فترة الإجازات الصيفية تعتبر أكثر الدول تصديرا للسياح إلى كل دول العالم حاملة رؤوس أموالها التي خزنتها على مدى أعوام كاملة. أي أنه لم يبق من الدول العربية سوى الأردن كدولة مستقبلة للسياحة. وبعض الغضب وبعض المظاهرات المتفرقة التي خرج إليها المواطنون الأردنيون البسطاء احتجاجا على قرار رفع الأسعار قد يهول الأمر بالنسبة للسياح الخليجيين والأجانب على حد سواء،.
وبالتالي، نستطيع القول إن هذا الكم الهائل من الدول العربية قد خسر مسبقا وسوف يخسر لاحقا مليارات الدولارات التي تمثل عائدات السياحة القادمة من الخارج والتي كانت ستضاف إلى خزينة الدولة وتعوض ولو جزءاً يسيراً من الخسائر الناتجة عن الزلازل الاقتصادية التي تهز العالم منذ فترة قريبة وتستخدمها لبناء ما تم هدمه.
هذا الكم الهائل من الدول العربية التي حرمت من الاستقرار الداخلي وبالتالي من الاستفادة من مصدر السياحة، ومن إمكانية تطويرها حيث لا سياحة من غير تطوير ولا تطوير للسياحة من غير إيرادات سياحية – يجب أن تسارع في عملية الاستقرار الداخلي. ولو اعتبرنا أن الاستقرار الداخلي هو أشبه ما يكون بخط أخضر رفيع يقع خلفه الاستقرار الكامل والتام والشامل والمستمر لأي دولة من الدول.
حيث إن فرقعة صغيرة قد تلغي في أوروبا وغيرها حجوزات مئات الآلاف من السياح، بالتالي فإن هذه الدول قد تحتاج إلى ما لا يقل عن عشر إلى خمس عشرة سنة تقريبا لإعادة الثقة إلى موارد السياحة الخارجية.
لماذا نتحدث عن أهمية السياحة الخارجية؟
أولا، لأن معظم الدول العربية تمتلك من مقومات السياحة ما قد لا نجده في أي بقعة أخرى من بقاع العالم. فبالنسبة للأوروبي، يعتبر الشرق والشرق الأوسط أشبه ما يكون بالأسطورة الحية التي تغلغلت في خيالات الأوروبيين منذ قديم الزمان في قصص ألف ليلة وليلة وحكايات كليلة ودمنة. وظلت نكهة البهارات العربية والشرقية تجذبهم من أقاصي القارات.
ناهيك عن كون الشرق بالنسبة لهم ذلك المتحف التاريخي الثابت على مر الزمان. ففي كل شبر من الأرض العربية كنز من الآثار وفي كل حبة رمل حرف من مجلدات الحضارة الإسلامية بزخرفاتها اللامتناهية. أما بالنسبة للطبيعة، فلا توجد دولة عربية واحدة إلا وتقع على الماء.
وبها من المناظر النادرة التي قد لا نجد لها مثيلاً في كثير من بلدان العالم، وهي مناظر متنوعة بين الجبال الداكنة والسهول الخضراء والصحارى الممتدة والبحار وأشعة الشمس على مدى طوال السنة. صحيح أن هناك نوعاً من التأخر في تطوير البنية التحتية اللازمة للسائحين الأجانب، باستثناء بعض الدول ومنها دولة الإمارات، إلا أن كل ذلك لم يقلل من تهافت الأجانب إليها.
وثانيا، لأن معظم هذه الدول ليس لديها ما تعتمد عليه اقتصاديا غير مورد السياحة. وإذا ما نضب مصدر السياحة، تفاقمت البطالة والتضخم والقلاقل الداخلية وعدم الاستقرار، وهكذا تظل هذه الدول تدور حول نفسها إلى ما لا نهاية.
إن حرية شعوب هذه الدول قضية لا يمكن المساومة عليها، ولا بد من ثمن يدفع أيا كان، ولكن في المقابل على هذه الشعوب أن تضمد جراحها بأقصى سرعة قبل أن يقضي عليها النزيف، وتنسى اختلافات مذاهبها واتجاهاتها، وتبدأ سراعاً في اللحاق بقطار التنمية. وإلا فإن الثورة لم تحقق أهدافها، وأصبحت ثورات الشعوب العربية كفأر التجارب، يدور في حلقة مفرغة إلى الأبد.
– عن البيان