د. فاطمة الصايغ

كثيرة هي الظواهرالطبيعية التي تشد انتباه العالم وتحيره، ولكن العالم لا يزال يقف مشدودا الى ظاهرة لم يعرف فكك رموزها أو حل الغازها حتى الآن، إنها ظاهرة دبي. فمنذ زمن طويل يقف أنموذج دبي كأنمودج محير للباحثين والمراقبين من مختلف أرجاء العالم. لقد أصبحت دبي الأنموذج العالمي الجديد الأكثر شهرة للمدن الدينامكية الحيوية المشعة فرحا وبهجة. فمن لم يسمع عن دبي ومن لا يعرفها بل من لم يزرها، القليلون فقط.

في كيبمردج ببريطانيا اجتمع مؤخرا ثلة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في دراسة السياحة وتنقل الأفراد وأنماط ذلك التنقل. وكالعادة فرض أنموذج دبي نفسه كأنموذج عالمي جديد برز خلال العقود الثلاثة الماضية وأصبح يقارن بل وينافس مدنا عالمية عريقة تملك من المميزات الاقتصادية والطبيعية أكثر مما تملكه دبي.

فأصبحت دبي أنموذجا للسياحة الجديدة وأنموذجا لأنماط تنقل الأفراد وأنموذجا لنقل الثقافات وعلاوة على ذلك برزت كأنموذج تنموى فريد. وعلى الرغم من حداثة تجربة دبي التنموية والسياحية الا أنها استطاعت أن تتغلب على مدن وتنافسها.

لماذا وكيف حصل هذا ؟ لأن دبي وببساطة امتلكت ما لم تمتلكه تلك المدن من سرعة البديهة واقتناص الفرص والتخطيط الجيد للمستقبل ومعرفة بتقلبات السوق والتسويق الجيد للمدينة. هذا ما توصل له البحاثة والاكاديميون. فالسياحة مثلا، مثل أي قطاع اقتصادي، يتعرض لتقلبات الأوضاع السياسية وتقلبات الاقتصاد بل وتقلبات الأهواء والأمزجة.

فما نحبه اليوم لا نستطيع أن نتقبله غدا، وما نعتبره اليوم موضة يصبح شيئا كلاسيكيا غدا. هذا ما استطاعت دبي أن تتداركه وتتغلب عليه وأن تسوق نفسها كأنموذج جديد للمدن العصرية.

فأصبحت هذه المدينة متغيرة وكأنها ضد الثبات، عصرية وكأنها ضد الكلاسيكية، متطورة وكأنها ضد القديم على الرغم من أنها أستطاعت وبكل ذكاء أن تجمع كل هذه النقائض وتطوعها لصالحها. إنها دبي التي استطاعت أن تسحر العالم بل وأن تبهره حتى في أحلك اللحظات.

فما عانته دبي خلال الأزمة الاقتصادية عانت منه جميع مدن العالم الكبرى، ولكن دبي استطاعت أن تقدم أنموذجا مبهرا ومغايرا للخروج من الأزمات والتركيز على القطاعات التنموية ذات المردود العالي والسريع.

ذلك ما أوجد لها مخرجا مناسبا من أزمتها بينما لا زالت مدن كبرى تعاني من تأثيرات التقلبات الاقتصادية وتغرق في بحر ديونها وفي بحور الافلاس. نعم، حتى في أشد لحظات الضيق وأحلك الاوقات تبدو دبي متمالكة نفسها، الأمر الذى يجعلها تبدو مغايرة عن باقي المدن.

ومنذ خروجها من أزمتها حتى الآن ما زالت دبي تثير دهشة العالم وحيرته بصغر مساحتها وكبر أحلامها، بقلة مواردها وضخامة مشاريعها، بحفاظها على ثقافتها وباحتضانها لكافة ثقافات العالم، بثقافتها الجديدة المتطورة وبتاريخها الضاربة جذوره في أعماق التاريخ. حتى خورها، او لنقل شريانها الحيوي الذى يغذيها، يحير العالم.

فهو ليس مجرد شريان مائي كغيره من الشرايين، انما أصبح رمزا لثقافتها وعراقتها وعنوان تجارتها. لقد أستطاعت دبي أن تصنع من امكانياتها البسيطة معجزة اقتصادية وأنموذجا تنمويا مغايرا عن باقي النماذج، انها دبي التى استطاعت أن تحير العالم وأن تبقيه في حالة الحيرة تلك طويلا.

قضايا كثيرة جعلت من دبي ظاهرة فريدة وأنموذجا محيرا. فكأنموذج سياسي هي لا أتوقراطية ولا ديمقراطية، ليست شعبية ولا نيابية، لكنها أنموذج سياسي فريد تمتزج وتذوب فيه كل النظريات السياسية ليبرز اسم دبي ولا غيره. وكأنموذج ثقافي وحضاري دبي تظل تحير العالم وتبهره بكل ثوري ومتمرد في عالم الافكار والرؤى.

لقد أثبتت دبي أن العالم هو شد وجذب، صعود وهبوط وثبات ولا ثبات. لذا نجدها تارة دبي الاقتصادية وتارة أخرى دبي الانسانية، هي تارة دبي للعطاء وتارة أخرى دبي الاعمال والمصارف، تارة دبي ذات الجوائز العالمية مثل جائزة دبي للقرآن الكريم وجوائز التميز، وتارة أخرى دبي اللاهثة وراء الأضواء والشهرة وتحقيق الأرقام القياسية. دبي حرة دؤوبة تحير العالم وتبهره.

ولكن على الرغم من كل المتناقضات التي تجمعها في جسمها الا أنه لا يختلف اثنان على حب هذه المدينة والتغني بها لأن العالم يحب التفرد والتميز. فلا يختلف اثنان على أن دبي تضم أجمل أيقونات العالم الحديثة والمبهرة. فهي تضم أعلى برج في العالم، وتضم أكبر ميناء جوي ومائي، وتضم اكبر جزيرة صناعية صنعتها يد البشر وتضم ثقافات العالم جميعها.

وعلى الرغم من وجود مدن عالمية تكاد تشبهها في حركتها مثل هونج كونج وسنغافورة ولاس فيجاس الا أن دبي تتميز عن كل هذه بشبابها وعفويتها ومميزات أخرى تجعلها تتفوق على كل هذه المدن في الميزان.

فلا غرو أن تشد أنماط تنقل الأفراد الى دبي انتباه العالم. فلا يوجد نمط واحد مميز يشدهم للقدوم الى دبي بل أن دبي كمدينة خلقت أنماطا حياتية جديدة غيرت من أنماط البشر أنفسهم. فأصبح القادم الى دبي حائرا : هل للاقامة الدائمة ام الترانزيت، هل للسياحة أم للعمل، هل للبحث عن وظيفة أم للبحث عن الراحة والمتعة. فكل هذه الانماط متوفرة وموجودة ومهيأة لها على مختلف الصعد.

دبي سوف تبقى تحير العالم لعقود قادمة. لماذا؟ لأنها وبكل بساطة تمتلك من الامكانيات الفكرية والرؤى ما يجعلها قادرة على إثارة حيرة العالم ودهشته. فكل ما يراه العالم مستحيلا يتحول الى واقع في دبي وكل ما يراه العالم مبهرا يكون في دبي شيئا عاديا، إنها ظاهرة دبي التي يحب العالم لها الديمومة والبقاء لأنها علامة فارقة في تاريخ البشرية. إنها ظاهرة دبي.

– البيان