سارعت الحكومة الأردنية حتى فجر الخميس لإتخاذ سلسلة من الإجراءات الإحتياطية التي تحمي مصالحها الحيوية بعد الإستقالة المدوية لعائلة شومان العريقة من إدارة البنك العربي وبروز مؤشرات على صراع نادر بين ثلاث عائلات إستثمارية كبيرة هي المصري والحريري وشومان.
وفاجأ رئيس مجلس إدارة مجموعة البنك العربي عبد الحميد شومان الحفيد جميع الأوساط الأردنية عندما وضع رسالة بريد إلكترونية على عناوين جميع موظفي البنك في تمام الساعة العاشرة والنصف صباح الخميس يبلغ فيها عن إستقالته وثلاثة مدراء كبار من الإدارة العليا رغم أن الموظفين توقعوا أن تكون رسالة (المعلم عبود) – كما يوصف- تخص تهنئة معتادة بمناسبة عيد الفطر السعيد.

وما أن قرأ الموظفون رسالة كبير مؤسستهم حتى ثارت في عمان عاصفة من الجدل والتكهنات فأعلن البنك المركزي حالة طواريء عمليا وحصل إرتباك حاد في السوق المالي وتدخلت مؤسسة الضمان الإجتماعي بقرار أردني سيادي لشراء مئة ألف سهم حرصاعلى تثبيت سعر إنخفاض السهم المفاجيء.

وعلمت القدس العربي بأن الحكومة الأردنية فوجئت بخبر الإستقالة الجماعية لعائلة شومان العريقة التي تدير هذا البنك منذ عام 1930 فيما تلقى شومان الحفيد إتصالات عاتبة ومستاءة من مسئولين كبار في الحكومة الأردنية على قراره المفاجيء بالإستقالة والذي كاد يعصف بواحدة من أهم المؤسسات المالية العربية والدولية على حد تعبير محافظ البنك المركزي الأردني الدكتور زياد فريز.

رد فعل الدولة الأردنية إزاء ما وصف بأنه قرار خطير لعائلة شومان لم تجري بخصوصه أي مشاورات دفع الحكومة للوقوف فورا ضد شومان بكل وضوح والتعامل مع وريث منصب رئيس مجلس الإدارة الجديد وهو الملياردير السعودي الجنسية والفلسطيني الأصل صبيح المصري الذي بقي ثلاث ساعات بعد خبر الإستقالة في حالة إجتماع طارئة مع مجلس محافظي البنك المركزي لإستدراك التداعيات الخطيرة.

المحافظ فريزوبإسم الدولة الأردنية عمل فورا على الإستدراك فأصدر بيانا لطمأنة مساهمي البنك العربي وتفاهم على تثبيت الوضع الجديد مع المصري ثم إندفعت مؤسسة الضمان الإجتماعي التي تمثل ذراع الدولة الإستثماري في مجموعة البنك العربي لشراء نحو 100 الف سهم من السوق المالي طرحت فورا بسعر منخفض بمجرد إنسحاب شومان الذي لم يتشاور مع أي طرف في الحكومة الأردنية وإكتفى بإبلاغ الجميع بالأمر عبر إرسال رسالة إستقالته لوكالات الأنباء وللموظفين في البنك العربي وفقا لوزير المالية الأردني سليمان الحافظ الذي عبر عن إستياء السلطات من تصرف عائلة شومان.

لكن ردة الفعل الأعنف ضد قرارعائلة شومان حضرت من عائلة المصري الإستثمارية العريقة فقد وجه رجل الأعمال البارز منيب المصري رسالة علنية لشومان أكثر فيها من توبيخه وإتهمه بالتفريط بهوية البنك العربي وتراث أجداده الذين أسسوا البنك العربي قبل نحو 80 عاما.

وإعتبر منيب المصري أن رسالة إستقالة شومان والتي حمل فيها مسئولية ما يحصل لنائبه صبيح المصري عمليا (لم تكن موفقة لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون) محملا مسئولية تردي أوضاع البنك إلى الإدارة غير الحصيفة لشومان.

وخاطب منيب المصري في رسالته القاسية شومان قائلا: عار على حفيد المؤسس وإبن الباني أن يعمل على محو تاريخ عريق يعتز به الشعب الفلسطيني برمته.

وقال بأن زوجة شومان كانت تتدخل في شئون إدارة البنك مع بعض أفراد العائلة, الأمر الذي ساهم في الإساءة لهذه المؤسسة العملاقة وقلص من أعمالها وأساء لها مهنيا.

وشدد في الرسالة التي صدرت في نابلس ونشرتها صحيفة عمون الأردنية على أن خطاب شومان التحريض للموظفين لن يمنعه وقال بأن شومان إستقال تحت ضغط زوجته وأولاده مشيرا لإن البنك في ظل الإدارة الجديدة سينتعش ويزدهر.

قبل ذلك وجه خليفة شومان في رئاسة مجلس الإدارة صبيح المصري إنتقادات حادة وتوبيخات لشومان على هامش عشرات الإتصالات التي تلقاها من داخل البلاد وخارجها حيث إتهمه بالتدخل في شئون الإدارة التنفيذية وبعدم الإلتفات لملاحظات مجلس الإدارة لأكثر من عامين.

وقال صبيح المصري لسياسي أردني رفيع المستوى تحدثت معه (القدس العربي) بأن (عبود) وهو الإسم الذي يشتهر به عبد الحميد شومان أصر على منع فريق الإدارة الحالي برئاسة الخبير المصرفي البارز نعمة الصباغ من ممارسة صلاحياته وأعماله لأكثر من عامين وقال: سافرت معه وتقربت منه عدة مرات على أمل تليين موقفه وإقناعه بتعديل إدارته لكنه لم يتجاوب .

وفي الكواليس وجه محافظ البنك المركزي الأردني زياد فريز اللوم لعائلة شومان لإنها تقصدت الإنسحاب بإثارة وخلق ضجيج حيث لوحظ بأن العائلة إستقالت ببيان عبر الإعلام وقبل إبلاغ مجلس الإدارة والبنك المركزي خلافا للقانون والتقاليد كما حصل هذا الإنسحاب ظهر يوم الخميس وقبل عطلة عيد الفطرالتي تبدأ رسميا لأربعة أيام السبت , الأمر الذي يثير شكوكا بأن توقيت الإستقالة وطبيعتها يتقصد إثارة بلبلة في السوق المالي مع ضجة قدر الإمكان.

لكن صبيح المصري وكما فهمت (القدس العربي) قدم (ضمانات) للحكومة الأردنية بأن يحافظ البنك العريي على أوضاعه المالية والرقمية بصورة أفضل متعهدا بالتعاون التام مع البنك المركزي الأردني والحرص على بقاء الإدارة العليا في عمان .

بنفس الوقت تطوع المصري للقاء عشرات الموظفين الذين إعتصموا فور إعلان النبأ وخاطبهم متعهدا بتنمية أعمال البنك والحفاظ على إمتيازاتهم وتعزيزها مشيرا لملاحظات متعددة لأعضاء مجلس الإدارة تجاهلها شومان يتعلق بعضها بإلغاء قرارات للرئيس التنفيذي والتدخل بإستثمارات والتوسع بتعيين شخصيات سياسية وتكنوقراطية غادرت الوظيفة الرسمية في الأردن بمناصب رفيعة في البنك العربي ومن هذه الشخصيات فارس شرف محافظ البنك المركزي الأردني سابقا ونائبته خلود السقاف إضافة لعدة وزراء سابقين .

ولم يقف خليفة شومان الذي أصبح رئيسا لمجلس الإدارة بحكم القانون وهو صبيح المصري عند هذا الحد بل سارع لإصدا ر بيان أكد فيه نبأ الإستقالة بناء على رغبة صاحبها الشخصية.

وقال المصري : وإننا إذ نقدم خالص شكرنا وعظيم عرفاننا للسيد عبد الحميد شومان على ما بذله من جهود عظيمة في إدارة البنك العربي على امتداد أكثر من 40 عاما، فإننا نؤكد على مضي المؤسسة في مسيرتها الناجحة محلياً وإقليمياً وعالمياً مستندة إلى قيمها الراسخة ونهجها الإستراتيجي الرصين المبني على أسس العمل المؤسسي المهني والسياسات المالية الحصيفة حيث يتمتع البنك العربي بهيكل إداري و مؤسسي متين تم بناؤه عبر السنين.

وأشار البيان إلى أن البيانات المالية لمجموعة البنك العربي للنصف الأول من العام 2012 أظهرت استمرارا في نمو الأرباح حيث حقق البنك أرباحاً صافية بعد الضرائب والمخصصات بمبلغ 360.3 مليون دولار مقارنة بـ 327.2 مليون دولار في الفترة المقابلة للعام 2011 وبمعدل نمو مقداره 10% على الرغم من الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية، إضافة إلى أن وكالة التصنيف العالمية فيتش أكدت في 25/7/2012 تقييمها للبنك العربي بدرجة A- مع مؤشر مستقر، ويأتي هذا تأكيداً لمتانة الوضع المالي للبنك العربي، بحسب البيان.

ومن الواضح أن إستقالة شومان برزت بعد إنقضاء إحتمالات التفاهم مع فريق الإدارة الجديد المدعوم من صبيح المصري برئاسة نعمة الصباغ وهو مصرفي فلسطيني الأصل ولبناني الوثائق كان من المقربين جدا لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري .

وكانت تجاذبات ومشاحنات على الصلاحيات قد تكاثرت بين شومان والصباغ الذي إستعان بنخبة من كبار المدراء اللبنانيين والأجانب المحسوبين بدورهم على عائلة الحريري هي السبب المباشرة لإنفلات الأمور بأعرف مؤسسة مصرفية عربية وللعاصفة التي ولدت في عمق عمان ظهر الخميس ولم يعرف بعد أين وكيف ستنتهي

– عن القدس العربي