علي أبو الريش

تحت الضغط الدولي أذعنت الدولتان الجنوبية والشمالية في السودان، وعقدتا اتفاق المصالحة النفطية ليكون ذلك الاتفاق باكورة اتفاق ينهي زمناً من الحروب الطاحنة التي ذهب ضحيتها البشر والشجر والحجر، ما أشعل الفقر والكدر، وجعل الإنسان في هذه الخريطة السودانية الشاسعة الواسعة يعاني آفة العوز والمرض والأمية.
العالم رحب بهذا الاتفاق، وطالب بمزيد من التوافق بين الدولتين اللتين كانتا دولة واحدة، والأفق السياسي في هاتين الدولتين يتسع لأكثر من ذلك الاتفاق لو فكر الساسة في المصلحة الوطنية، ووضعوا نصب العين أن السلام صانع التطور والرقي، وهو جذر الحياة الهانئة المستقرة المطمئنة، ولا منتصر في الحرب مهما حقق من فوز على الرقعة الجغرافية، لأن الدم لا يجر غير الدم، والكراهية لا تنجب إلا الدمار والخراب واليباب.
العالم رحب بالاتفاقية بين الدولتين لأن الحروب أعطت الناس جميعاً، في مشارق الأرض ومغاربها دروساً وعبراً، ومن لا يعتبر لا يحصد غير الفشل الذريع، ولا يحقق غير خطوات العودة إلى الوراء. فيا ترى هل يفكر الساسة في هاتين الدولتين فيما هو أبعد من الاتفاق النفطي، وهل يفتح هذا الاتفاق طريق الوفاق على مجمل قضايا عالقة، وقد تنفجر في أي وقت وتسبب انتكاسة أكبر من سابقتها، وتعيد الدولتين إلى نقطة الصفر المدمرة؟
لو استمرت الحروب مئات السنين بين الدولتين، فلن تحل مشكلة، ولن تفك معضلة، ولن يستطيع طرف أن يفرض الأمر الواقع على الطرف الآخر، لأنه لا سبيل للانفراج إلى سبيل العقل، ولا نافذة لدخول الهواء النقي غير نافذة الروح المتفانية من أجل الاعتراف بالعيش في سلام دائم ووئام لا تخترقه نزعات ولا أهواء ولا معتقدات. لا طريق أمام السودانيين غير الحل الواقعي الذي يضمن لكل طرف حقه في العيش، من دون منغصات، ومن دون اعتداءات، وتجاوزات، ومن دون استثناءات للثوابت التي تعترف بها قوانين الأمم المتحدة وضوابط الهيئات الدولية.. فاختراق الحدود الجغرافية لا يعني العداوات التاريخية التي بلا نهاية، فطالما قبل الطرفان بوجود دولتين مستقلتين، فلا بد أن يعيش أبناء هاتين الدولتين حياة البشر، ولا بد أن يعترف الساسة أن من حق الشعوب أن تهنأ بحياة تليق بالبشر ليحقق الجميع طموحاته في النهوض والتطور كسائر بني البشر، ولدى الدولتين من الإمكانيات الاقتصادية والبشرية ما يجعلهما قادرتين على مواكبة ركب الحضارة الإنسانية واللحاق بالأمم الأخرى بخطوات ثابتة وواثقة. المهم أن يحل العقل محل اللاعقل في معالجة القضايا المشتركة والمعقدة

– عن الاتحاد