أعلن نائب رئيس الحكومة السورية قدري جميل في موسكو أمس، أن دمشق مستعدة لمناقشة استقالة محتملة للرئيس بشار الأسد في إطار مفاوضات مع المعارضة لإنهاء الصراع الدامي المتفاقم على مدى نحو 18 شهراً، لكنه رفض شرط تنحي الأسد أولاً في أي مفاوضات في المستقبل، بحسب ما تطالب المعارضة السورية وواشنطن وبلدان غربية أخرى. جاء ذلك في وقت كشف فيه رئيس المجلس الوطني المعارض عبد الباسط سيدا من باريس أن العمل جار سريعاً لتشكيل حكومة انتقالية للمعارضة.
وسارعت واشنطن للإعراب عن شكوك كبيرة في احتمال إجراء مشاورات حول استقالة الأسد، قائلة على لسان المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند “اطلعنا على المعلومات حول هذا المؤتمر الصحفي الذي عقده نائب رئيس الوزراء السوري.. بصراحة، لم نر فيه أي جديد استثنائي”، مكررة موقف بلادها القائل إن “دمشق تعلم ما عليها القيام به والحكومة الروسية انضمت إلينا في جنيف نهاية يونيو الفائت، لوضع خطة انتقال سياسي بالغة الوضوح”.
وفي باريس، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أن الرئيس فرنسوا أولاند “شجع” المجلس الوطني المعارض بعد أن التقى وفداً منه برئاسة سيدا في باريس أمس، على “إنشاء تجمع واسع يضم كل قوى المعارضة” السورية، وخصوصاً لجان التنسيق المحلية والمجالس الثورية وممثلين للجيش الحر”، مبيناً أن “الممثلين الشرعيين لسوريا الجديدة يمكنهم بذلك الإعداد للانتقال نحو نظام ديمقراطي في أفضل الشروط الممكنة”.
وفي السياق، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي تباحث مع نائب رئيس الوزراء السوري أمس، أن على الدول الأجنبية أن تكتفي بتهيئة الظروف للبدء بحوار بين مختلف الأطراف المتنازعة في سوريا، مبيناً أن جهود النظام السوري لوضع حد لأعمال العنف “غير كافية”، لكن موسكو مقتنعة بأنه ما من سبيل آخر سوى الاستمرار في هذا النهج.
وقال جميل في موسكو في ختام لقاء مع لافروف أمس، “على طاولة الحوار لا شيء يمنع أن تبحث أي قضية يمكن أن يفكر أو يطلب بحثها أحد المتحاورين، حتى هذا الموضوع يمكن بحثه” وذلك رداً على سؤال حول إمكانية استقالة الرئيس السوري. لكنه تدارك بقوله “وضع التنحي كشرط قبل بدء الحوار يعني ضمناً إقفال طاولة الحوار قبل بدئها”. وطالبت الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغالبية العالم العربي مراراً بتنحي الأسد.
وكررت واشنطن دعوتها هذه أمس الأول. وقال لافروف بعد أن لوح الرئيس الأميركي باراك أوباما الليلة قبل الماضية بالتدخل العسكري في سوريا في حال نقل أو استخدام أسلحة كيميائية، “المصالحة الوطنية السبيل الوحيد لوقف إراقة الدماء في أسرع وقت وإيجاد الشروط ليجلس السوريون إلى طاولة المفاوضات لتقرير مصير البلاد دون أي تدخل اجنبي”.
وشدد في تصريحات نقلها التلفزيون الروسي على أن “الأمر الوحيد الذي على الأطراف الغربيين القيام به هو تهيئة الظروف للبدء بحوار”.
ورفض قدري جميل تحذير الرئيس أوباما معتبراً أن “التهديدات هي ببساطة دعاية مرتبطة بالانتخابات الأميركية”. وقالت مصادر سياسية في دمشق إن جميل زار موسكو لمناقشة مشروع ستقدمه روسيا بموافقة سوريا، يقضي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بإشراف دولي يشارك فيها من يرغب من المرشحين بمن فيهم الرئيس الأسد.
وفي باريس، أعلن رئيس المجلس الوطني المعارض عبد الباسط سيدا أن هناك “عملاً جدياً للإعلان سريعاً” عن حكومة انتقالية في سوريا.
وقال سيدا في ختام لقاء لوفد من المجلس الوطني مع الرئيس الفرنسي في قصر الأليزيه “نجري مشاورات معمقة مع مختلف المكونات السورية” بشأن تشكيل حكومة انتقالية، مضيفاً “نحن نعمل جادين للإعلان سريعاً عن هذه الحكومة بعد الانتهاء من المشاورات”.
وبعد أن اعتبر سيدا أن “أي تسرع في الإعلان عن هذه الحكومة لن يحل المشكلة”، أعرب عن الأمل بأن “ننتقل سريعاً إلى الداخل الوطني لكي تقوم هذه الحكومة باداء واجباتها من الداخل”.
ورداً على سؤال حول مهمة المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، قال سيدا “الإبراهيمي هو دبلوماسي متمرس له خبرة نحترمه كثيراً، لكن نقول إن المسألة تكمن في عدم وجود إرادة دولية ضمن مجلس الأمن قادرة على الارتقاء إلى مستوى الأحداث”.
واعتبر سيدا أن مجلس الامن “معطل بفعل الفيتو الروسي ومهمة الإبراهيمي ستكون محكومة بهذه الآليات القديمة التي تتحكم بالمجلس والتي تعود إلى الحرب العالمية الثانية”، في إشارة إلى حق الفيتو الذي سبق أن استخدمته روسيا والصين 3 مرات لمنع صدور قرارات مناهضة لنظام الأسد.
واوضح سيدا أنه طلب من الرئيس الفرنسي العمل على إقامة منطقة حظر جوي في الأجواء السورية. من جهته، قال الرئيس السابق للمجلس الوطني برهان غليون الذي كان في عداد الوفد الذي التقى أولاند، “لن نتفاوض حول تنحي الأسد، ما عليه سوى التنحي نقطة على السطر”. وأضاف غليون “نريد أن تغادر هذه العصابة التي تحكم سوريا اليوم السلطة” داعياً إلى تمكين “الشعب السوري من حقه في تقرير مصيره”. الا انه اوضح “نحن مستعدون للتفاوض حول خروج هؤلاء ولكننا لسنا مستعدين لتسويات”.
كما قال جميل إن الغرب يبحث عن ذريعة للتدخل العسكري، مشبهاً التركيز على الأسلحة الكيماوية السورية بالسياسة التي انتهجها الغرب تجاه العراق الذي غزته قوات تقودها الولايات المتحدة بحجة أنه يخفي أسلحة دمار شامل.
وأضاف “يبحث الغرب عن ذريعة للتدخل المباشر. إذا لم تفلح هذه الذريعة فسيبحث عن ذريعة أخرى. لكنه لا يفهم حقيقة جديدة تأكدت في الموقف الدولي بعد الفيتو الروسي الصيني والتي استمرت حتى هذه اللحظة”.
وكان يشير إلى استخدام الصين وروسيا حق النقض ضد تحرك في مجلس الأمن كان سيزيد من الضغوط الدولية على الرئيس الأسد الذي يقاتل لاخماد الانتفاضة المناهضة له منذ نحو 18 شهراً. وقال جميل “التدخل العسكري المباشر في سوريا مستحيل لأن من يفكر فيه أياً كان.. إنما يدخل في مواجهة أوسع نطاقا من حدود سوريا. وقال إن تهديد أوباما موجه للاستهلاك الإعلامي.
وكانت وكالات الأنباء الروسية نقلت عن لافروف قوله أمس، إن موسكو وبكين متفقتان على عدم السماح بأي انتهاك للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في تحذير للغرب بعدم اتخاذ إجراء من جانب واحد فيما يتعلق بسوريا.
ونقلت “انترفاكس” عن لافروف قوله خلال اجتماع مع داي بينج قو مستشار الدولة الصيني إن التعاون الدبلوماسي الروسي والصيني يستند إلى “الحاجة إلى الالتزام بصرامة بمعايير القانون الدولي والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وعدم السماح بانتهاكها”. وقال لافروف للمسؤول الصيني “أعتقد أن هذا هو المسار الصحيح الوحيد في الظروف الراهنة”.
وأضاف لافروف أن المصالحة الوطنية ما زالت ممكنة وأنها الطريق الوحيد لوقف إراقة الدماء في سوريا بصرف النظر عن خصوم دمشق محلياً وخارجياً. وتابع “إذا أدرك كل من يعتمد مصير سوريا وشعبها عليه مسؤوليتهم، فستكون هناك فرص للمصالحة”.
كما التقى داي أيضاً مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونيكولاي باتروشيف كبير مستشاريه لشؤون الأمن أمس الأول، في مشاورات لم يعلن عنها الكرملين مسبقاً. وعبرت تصريحات لافروف عن رغبة موسكو في إبقاء الجهود الدولية لحل الأزمة السورية داخل الأمم المتحدة حيث تتمتع روسيا والصين بحق النقض كأعضاء دائمين في مجلس الأمن.
– الاتحاد