ناصر الظاهري

خطوة أولى نحو فضاء الكون، ونحو فضاءات من الحلم الطويل، باتجاه جار لنا نناظره في المساءات، وحين يدلهم الظلام يكون شعلة لنا، نبكيه ونبكي أنفسنا حينما يغيب حبيب أو نتطلع إلى فارس أحلام يأتي من غمام الريح وعطر الحكايات، وغير بعيد أن يكون القمر شاهداً على ذلك اللقاء المتخيل والمؤمل أن يغدو حقيقة، حينما يقرع الفارس الباب في وضح النهار، وفي غياب القمر، كم من أحلام كبيرة وصغيرة تبدأ في حضوره كشاهد ليلي، وتستدعيه في غيابه المؤقت عنا في ظلمات الكون لينير جهة أخرى من العالم تحتاج لحضور يؤنس حياة الليل، هو صديق الشعراء والكتاب والفتيات اللائي يقبعن عند نافذة مواربة على الخجل والستر، صديق العمال والفلاحين المبكرين نحو الرزق الحلال، صديق المسافرين في الفيافي وفي البحار، سكان الكهوف والأودية في الجبال، هو صديق الكل، فلم نسمع أن هناك من يكره القمر أو له وجهة أيديولوجية تجاهه، ظل كما عهده الإنسان منذ بداية خطواته على الأرض اللينة مصدر إلهام وخيال وشاعرية، فقط لأنه مجهول، ولا مكتشف، حتى جاء تاريخ 20 يوليو 1969 وحلّ أول ضيف بشري على سطحه – في حدود علمنا حتى اليوم- وأرسل صوته من هناك، ثم جاءت صور سطحه المليء بالنتواءات والثقوب والصخور الرمادية، ولا حياة ثمة أو شجر أو شيء من روائح الجنة، لكن ذلك لم يجعل الإنسان يبتعد عنه، بعد أن عرف حقيقة ذلك الجار المضيء الجميل، وظل ينحت من لغته حروفاً من نور للعشاق والأغاني، كانت تلك الخطوة الكونية لـ”نيل أرمسترونج” غير مصدقة من الكثير، ومكذبة بأغلظ الأيمان، وبالفتاوى الدينية، هذا التشكيك بتلك الخطوة الجبّارة للإنسان قاده الكثير، وليس الجهلاء فقط، والمتدينون الذين كانوا يرون فيه تحدياً للرب وملكوته، فقد وضعت نظريات، وصنعت أفلام، وكتبت قصص – بعضها أميركية – تفند هذه الحقيقة، وتكذبها، لكن بعد حروب كونية، وسباق التسلح، والحرب الباردة، رأت القوى أن تفجر أحلامها العلمية وتقرع باب أول صديق وقريب من الأرض لتبدأ بعده في حروب فضائية نحو التواجد، واقتطاع مساحات خاصة عليها أقمار وأعلام الدول، في سبيل يوم من المستقبل أن تضيق الأرض على البشر بما رحبت، ولا يكون الأمان إلا هناك في فضاء غير محدود، وليس بمقدور الضعفاء والجهلاء والمتقاتلين على أشبار من الأرض والأنانيين أن يتبعوا خطوات من صعدوا إلى السماء، “نيل أرمسترونج” المواطن الأميركي أو “غاغارين المواطن السوفييتي، كلاهما كانا جزءاً من تحقيق حلم البشرية بالنفاذ إلى أقطار السموات.
رحيل “أرمسترونج” قبل أيام، سيخلفه غياب في رحلة طويلة أخرى نحو المجهول العميق، والذي ما برح يغري الإنسان بتفكيك رموزه، ومعرفة كُنه ذلك الطريق المحاط بالعلم والأسرار!

الاتحاد