الصادق عبدالسلام
يعاني صديقي من داء “فقدان الأموال المكتسب”، أو في رواية أخرى “متلازمة العوز المالي المكتسب” أو “الايدز المالي”، فتجده في أول الشهر يُنفق إنفاق من لا يخشى الفقر، وفي آخر الشهر تراه يتسول لطوب الأرض من أجل درهم يبل به جفاف جيوبه الخالية والخاوية على عروشها.
حال صديقي هذا هو حال كل أصدقائي من أصحاب الدخل “المهدور”، أو بالأحرى هو حال كل أصدقائي الأعزاء فأنا لم أنل بعد شرف مصادقة أصحاب الدخل “المنصور” على عوادي السيوبرماركتيات والهجمات المرتدة لمحلات الجزارة والخضار والبقالة.
والعجب أن الأسطوانة المشروخة التي لا تفارق لسان صديقي هذا هو أنه في حال دائبة من البحث عن وظيفية أخرى لتحسين وضعه المالي وزيادة دخله فقد حفظ عن ظهر قلب صفحات الإعلانات المبوبة وإذا رأيته يبتسم وهو يقرأ الجريدة فتأكد أنه لم يبشر بولد وإنما وجد إعلاناً عن وظيفية حتى لو كانت في بلاد الواق واق أو لدى شركة أليس في بلاد العجائب ولكنه كثيراً ما عاد خائب الرجاء من بحثه الإعلاني هذا.
وقد غلبت الأطباء والمعالجين الحيلة في إيجاد علاج لداء الإيدز المالي الذي يعاني منه صديقي العزيز، حتى أن البعض منهم نصحه بمقاطعة كافة أشكال البضائع الكمالية والغير كمالية منها.
ما هي العلاقة بين اليوناني وصديقي المذكور؟ هي بالتأكيد الفلسفة واليوتوبيا الأفلاطونية التي جعلت اليوناني أخيراً، وبعد أن وقعت الفأس في الرأس، يشتكي لطوب الأرض ويبحث بالطول والعرض عن الدعم المالي من بقية الدول الأوربية أعطوه أو منعوه، وهي نفس “الفلسفة” التي تجعل صديقي ينفق أمواله في أول أيام إنفاق من لا يخشى الفقر كأنه يعتقد أن ما ورثه عن جده السادس عشر يضُم شركة مسجلة في بورصة نيويورك.
وما أن بلغ صديق سن الخمسين وأصبحت الأيام تشده شداً نحو الستين حتى أنتبه أنه لا يمتلك بيتاً لم يدخر في بنك “تحت البلاطة المتحد” ما يكفي أسرته التي تمددت وتمددت حتى أصبح عدد أفرادها يكفي لتكوين فريق لكرة قدم وعندها أصبح صاحبنا مثل مشجعي كرة القدم الذين ينتظرون خارج الإستاد إلى أن تفتح لهم الأبواب عند آخر ربع ساعة من نهاية المباراة فيندفون لمشاهدة المباراة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
واتخذ صديقي الخمسيني من الإجراءات التقشفية لم تكن في حسبانه في أيام “النغنغة” والدلع والدلال فالسيارة أصبحت في خبر كان والزيارات الاجتماعية أصبحت من الماضي ثم بدأ في استرجاع الذكريات والعلاقات مع الأحباء عسى ولعل أحدهم يتكرم بتمديد خدماته لما بعد الستين ، كأنه لم يكن يدرك أنه لا يسمح له بالعمل فوق الستين أو أن سن الستين سوف لن تدركه هو مطلقاً!!!
– محرر من أسرة الفجيرة نيوز