شهد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة محاضرة للسيد بيل غيتس الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميليندا غيتس بعنوان “العمل الخيري التحفيزي .. تغيير العالم من خلال العطاء” حضرها سمو الشيخ عبدالله بن راشد المعلا نائب حاكم أم القيوين وسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية ومعالي محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي وسمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني.
وأكد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مداخلة له “أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان يحثنا دائما على مد يد العون والمساعدة لكافة الناس دون تمييز لدين أو عرق أو ملة”.
واستذكر سموه مواقف واحاديث جمعته بالمغفور له الشيخ زايد جسدت القيم السامية التي كان يحملها الفقيد تجاه نجدة وإغاثة بني البشر وتقديم يد العون والمساعدة للمحتاجين دون النظر الى اعراقهم واجناسهم ومعتقداتهم والتي عكست بعد نظر المغفور له ورؤيته الانسانية العميقة ومحبته الخير للبشر كافة.
وثمن سمو ولي عهد أبوظبي جهود وإسهامات بيل غيتس الانسانية وأشار إلى أنه علم أن بيل غيتس يعمل في ثلاث دول ينتشر فيها مرض شلل الأطفال حيث رصد ملياري دولار أمريكي لمكافحة المرض في نيجيريا وباكستان وأفغانستان.
وأضاف سموه “إن هذا المشروع جميل ويشكر عليه ونحن لدينا حظ أن نشارك بيل غيتس فيه … وأشكره على هذه المبادرة والمجهود الذي يقوم به منذ عدة سنوات … وأشكره على إصراره حتى لو كانت الظروف في تلك الدول صعبة جدا وهي كذلك إلا أنه مصر على تحقيق هدفه”.
شهد المحاضرة الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية وسمو الشيخ الدكتور سلطان بن خليفة آل نهيان مستشار صاحب السمو رئيس الدولة ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي ومعالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان وزير الأشغال العامة. كما حضرها عدد من الشيوخ والوزراء وأعضاء المجلس الوطني الاتحادي والسفراء والفعاليات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المختلفة وعدد من المهتمين.
وبدأ بيل غيتس محاضرته بإلقاء الضوء على بداياته حيث أكد قناعته بالتكنولوجيا منذ بداية سيرته المهنية واطلع على علم الحواسيب منذ سن مبكرة.. وكان حلمه أن البرامج الحاسوبية ستمكن الناس من أن يكونوا أكثر إبداعا وتواصلا بطرق جديدة.. وإن معجزة البرمجيات والمعالجات الحاسوبية الفائقة الصغر إضافة إلى ما قام به من عمل في مايكروسوفت وما قامت به الشركات الأخرى كل ذلك قاد إلى إيجاد الحاسوب الشخصي وإيجاد الإنترنت ويقود الآن إلى الكثير والكثير من الابتكارات الرقمية المذهلة على الدوام.
واضاف غيتس “أعتقد أننا لا نزال في بداية الطريق وهذا يعني أنه في الحقل التعليمي يمكننا الحصول على أفضل الدورات في العالم ويمكن للناس أن يتعلموا من بعضهم ففي الحقل الطبي يمكن للعلماء العمل معا والحصول على الاستشارة الطبية بكل سهولة حيث تقوم المراكز الرقمية برصد حالتنا الصحية وتساعدنا على البقاء أصحاء حتى أثناء فترة الشيخوخة.. وعليه فإن الثورة الرقمية أمر عظيم وبصفتي رئيسا تنفيذيا لمايكروسوفت فقد حظيت بفرصة الإسهام في ذلك التوجه”.
وأشار المحاضر الى أنه قرر سنة 2008 أن يبدأ سيرة مهنية جديدة بدوام كامل وذلك من خلال مؤسسة غيتس الخيرية.. مؤكدا أنه وجد متعة كبيرة في عمله وهو عمل شبيه نوعا ما بما كان يقوم به في الماضي.. فهو ينطوي على العثور على علماء لديهم أفكار عظيمة ليست لدى بقية الناس وإعطائهم الكثير من الموارد ومنحهم الأهداف الطموحة ومن ثم معرفة كيف يمكننا الاستفادة من أفكارهم في خدمة من هم في أمس الحاجة إليها.. وبالتالي فإن تركيز مؤسستنا ينصب على فكرة أن حياة كل فرد لها القيمة ذاتها وهذا يعني أن علينا مساعدة الناس الأشد فقرا للتغلب على مشكلاتهم فيما يتعلق بالصحة والتغذية وقد قررنا أن يكون الأطفال هم محط تركيزنا والمجال الذي ننفق فيه ثروتنا.
وأضاف بيل غيتس أنه قرر هو وصديقه “وارن بافيت” الإسهام بجدية في الأعمال الخيرية والإنسانية ولكن بدلا من أن يترك صديقه عمله ويتفرغ لذلك “قرر أن يضع أمواله في مؤسستنا وقد زاد ذلك من مواردنا بصورة ملحوظة.. وفي غضون الأعوام القليلة القادمة سوف نقدم للأعمال الخيرية حوالي 4 مليارات دولار سنويا.. وإننا نسعى بالفعل إلى إحداث أكبر تغيير ممكن من خلال تلك الأموال”.
وقال غيتس “اسمحوا لي أن أضرب مثالا على أحد المشروعات التي أقمنا شراكة عظيمة فيها مع سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ العام 2011 لشراء وتوفير لقاحات أساسية لإنقاذ حياة الأطفال في أفغانستان وباكستان من الأمراض القابلة للوقاية مدى الحياة خاصة مرض شلل الاطفال وهو المشروع الذي أقضي جل وقتي فيه هذا المرض يمكنه أن يؤدي إلى إحداث إعاقة لدى الأطفال وقد كان بالفعل مسؤولا عن إعاقة 300 ألف طفل سنويا إلى أن قرر العالم سنة 1988 ضرورة القضاء عليه نهائيا.. والآن لم يعد يصاب به سوى بضعة آلاف في العالم سنويا.. وبالتالي فقد قطعنا 99 في المائة من المسافة المطلوبة ولكن الـ1 في المائة المتبقية صعبة جدا.. ومن خلال شراكتنا مع سمو ولي عهد ابوظبي حصلنا على تبرعات كبيرة لمساعدة الناس في باكستان وأفغانستان وقد تم تنظيم الأطباء من هنا ومن باكستان للذهاب إلى أصعب بقاع العالم وتقديم اللقاحات إلى الأطفال.”
وقال بيل غيتس “وبالتالي فإن كل ما علينا القيام به من أجل النجاح هو إعطاء اللقاحات وهي عبارة عن بضع قطرات من اللقاح تعطى لكل طفل عن طريق الفم 3 مرات.. وسوف نستطيع القيام بذلك خلال الأعوام الثلاثة القادمة ونقضي على المرض الثاني بصورة نهائية”.
وأضاف “لقد تحدثنا عصر اليوم أنا وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول مواصلة شراكتنا وإنني متحمس جدا لأن سمو ولي عهد ابوظبي أبدى التزامه بهذه الشراكة وبالتالي فإننا سنمضي في هذه الطريق إلى النهاية وستكون نهاية ناجحة للغاية.. وهذه هي أحد الامور الكثيرة التي نعمل عليها وهو مثال يبين سبب تفاؤلي الكبير وكيف يمكننا تغيير حياة أولئك الناس الذي يعيشون في أقسى الظروف”.
وسلط غيتس الضوء في محاضرته على دور مؤسسة بيل وميليندا غيتس من خلال برامجها الموجهة للفئات المحتاجة وبشكل خاص الأطفال بالتنسيق مع الشركاء والمانحين والمشاركة في الأحداث المحلية والدولية مع التركيز على الجوانب الزراعية والصحية والخدمات الخيرية وتحسينها.
وأشار المحاضر إلى “أن إحداث تغيير في حياة إنسان هو أمر صعب إلا أننا نخصص جزءا من أموال المؤسسة لعلاج الفقراء والمحتاجين من الأمراض التي يعانون منها خاصة مرض الكوليرا والملاريا …كما اننا نقوم بتوفير الأدوية واللقاحات لتلك الأمراض وقد تم تكليف بعض موظفينا لمتابعة تلك الحملات والقضاء على الأمراض المنتشرة في عدد من دول العالم الفقيرة”.
وأضاف أن “العمل الخيري أمر رائع والكل يشيد به كما أن نسبة الخطأ فيه قليلة مقارنة بالعمل التجاري .. لذا علينا أن نربط ما بين العقل والقلب عند تنفيذ أي برنامج أو عمل إنساني خاصة إذا كان يستهدف الأطفال المحرومين من الدراسة أو العلاج . وأكد بيل غيتس أهمية التجديد والإبتكار وطرح النماذج الجديدة في العمل الخيري كتعزيز دور المعلمين والمعلمات واستخدام الهواتف النقالة لافتا إلى أن الإحسان أصبح أسهل عن ذي قبل.
وقال المحاضر “إن أعداد الأطفال الذين يموتون سنويا بسبب شلل الأطفال دون سن الخامسة هي أرقام مخيفة وعلينا اجتثاث ذلك المرض والحد منه .. لذا قامت مؤسستنا بإنفاق 15 مليار دولار أمريكي وبواقع 100 ألف دولار لعلاج كل طفل في البلدان الفقيرة مشيرا إلى أن 6 مليارات دولار أمريكي من شأنها أن تقضي على هذا المرض نهائيا وبما يعادل إنفاق مليون دولار أمريكي لكل طفل.
وأضاف “إن ما يقرب من 7 ملايين طفل يموتون سنويا بسبب الكوليرا والملاريا”، لافتا إلى تعاون دولة الامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في تأمين لقاحات مرض الكوليرا والملاريا للأطفال وخفض نسبة الوفيات.
وردا على سؤال بشأن اهتمامه بالزراعة والانخراط فيها، قال بيل غيتس “إن الزراعة قطاع مهم للغاية وبرنامجنا في هذا المجال عمره 5 سنوات حيث أنفقنا في هذا القطاع ما يقرب من 500 مليون دولار أمريكي لتحسين المنظومة الزراعية وإطلاق برنامج للتنمية الزراعية بهدف مساعدة صغار المزارعين على تجاوز عقبات الجوع والفقر.
وقال إنه تم إنتاج بذور معدلة جينيا يمكنها مقاومة الملوحة والجفاف وتستخدم في الزراعة التقليدية وبشكل خاص بذور الذرة والقمح.. موضحا أن 70 بالمائة من الفقراء مزارعون ولديهم أراض صغيرة لذا وجب علينا أن نعزز إنتاجهم من خلال تحسين المجالات الصحية والأراضي والبذور وتوفير المياه.
وأشار المحاضر إلى أن لدى مؤسسته خطة لـ 20 سنة قادمة للنهوض بالمزارعين الأفارقة من خلال دعمهم بالمبيدات الحشرية من أجل تربتهم ومدهم بالبذور وتوفير المياه خاصة مع تغير الظروف المناخية.
وقال بيل غيتس “لدينا الكثير للقيام به خلال السنوات القادمة ففي أمريكا لدينا أكبر قطاع خيري في العالم سواء عن طريق الضريبة التي تدفع أو الوصية بعد الوفاة” .. مشيرا إلى أن عددا من الأثرياء في أمريكا أبدوا رغبتهم في إحداث تغيير في المجتمعات الفقيرة عندما يتوقف دور الدولة أو المؤسسات والجمعيات الخيرية من خلال تمويل التعليم والصحة والاهتمام بالمعاقين ومحاربة الفساد واستخدام الانترنت وتوفير المياه وحفر الآبار في عدد من دول العالم.
وأكد ضرورة الاهتمام بالشباب لأنهم أفضل استثمار لأي دولة وقال “إن الاستثمار يبدأ من النفس قبل أي شي .. فإذا كانت لديك الرغبة والحب في مجال أو تخصص معين فما عليك سوى أن تعزز مهاراتك وتنميها كي تصبح خبيرا فيها.. كما يمكنك أن تؤسس شركة كما فعلت عندما تركت الجامعة وأسست “شركة مايكروسوفت” التي كنت في يوم ما أفكر ببيعها لكنني لم أفعل”.
وقال بيل غيتس “أنتم محظوظون في أبوظبي لوجود عدة جامعات مميزة في كافة المجالات” .. مشيرا إلى أهمية دعم التعلم لخلق المزيد من الوظائف خاصة في القطاع الخاص وقال إنه على الحكومات أن تجد وظائف لأبنائها وتهيئهم للمستقبل.
وأكد بيل غيتس أنه “عليك أن تكون راضيا عن عملك وشركتك كي تستطيع أن تقدم الأفضل للآخرين وتحقيق النجاحات والاهتمام بالقيم الأساسية للعمل الخيري ومن ثم التخصص فيه … كما يجب عليك أن تكون شغوفا بالعمل الخيري وتعجب به وإلا فلا داعي لأن تقوم به”.
وفي إجابة له في ختام محاضرته عن مدى دقة مؤسسته في عملية الاختيار واسلوبها في استطلاع الافكار والفرص التي يتم تحديدها في تلك العملية حتى يتمكن من يرغب في السير في طريق الأعمال الخيرية والإنسانية أن يسترشد بتجربته في هذا المجال، قال “عندما تسير في طريق الأعمال الخيرية والإنسانية ثمة سؤال أساسي وهو هل نريد أن يحدث عملنا تأثيرا طويل الأمد” .. وهل نريد أن نحقق أقصى تأثير ممكن.. إذا كان كل ما نقوم به هو التبرع للأعمال الخيرية أي أن نعطي للجائع سمكة ليأكلها فإن ذلك يساعد ولكن لفترة وجيزة أما إذا أردنا أن نغير حياة الفقراء بحيث لا نضطر أن نبقى معهم على الدوام كي نعطف عليهم باستمرار فإن ذلك تحد أكبر بكثير.. أي كما يقولون ” يجب أن نعلمهم كيف يصطادون الأسماك” .. ما الذي أعنيه بذلك.. كيف نحدث ذلك التغيير.. وقلت لنفسي: كيف يمكنني بأقل قدر من المال أن أسهم في إنقاذ حياة الناس.. ودهشت كثيرا عندما علمت بوجود الكثير من الأمراض الفظيعة التي يعاني منها الفقراء والتي لم يتم القضاء عليها.
وأضاف “عندما قمت بإنشاء المؤسسة في بادئ الأمر اتبعت إلى حد بعيد نفس أسلوب التفكير الذي اتبعته عند تأسيس مايكروسوفت.. مؤسسة قطاع خاص هادفة للربح بتفكير حسابي تحليلي علمي.. وفي مؤسستنا الخيرية التي تضم حوالي 1000 موظف نقوم باتباع ذلك الأسلوب نفسه ولدينا فرق عمل مختصة في كل مشروع خيري”.
– الاتحاد