د. فاطمة الصايغ

من أهم القضايا التي تواجهنا الآن وفي هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ دولتنا هي قضية الأمن بأبعادها المختلفة. فتوافر الأمن وخاصة أمن الحريات المدنية والفكرية في بلدنا، الذي أصبح اليوم محط الانظار ليس فقط في ما يتعلق بنواحي النمو والتطور بل في ما يتعلق بظهور أو بتفاقم أي قضية أمنية، أصبح ضرورة كبيرة حتى لا نعطي الآخرين فرصة استغلال أي ثغرة للإساءة الينا.

وما حقيقة ظهور ذلك التنظيم وما أثارته ورددته وسائل الاعلام العالمية حوله الا نموذج لذلك الاهتمام العالمي المتنامي بكل ما يجري داخل الإمارات من متغيرات أو منعطفات بعضها حقيقي والآخر ممنهج.

الاهتمام بالدولة وما يجري فيها من متغيرات ليس وليد هذه اللحظة، فمنذ ظهورها على المسرح العالمي والإمارات تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام الذي توليه دول العالم لمنطقة الخليج العربي عامة. فعلى الساحة الدولية أعتبرت الإمارات دوما نموذجا للدول الصغيرة التي عوضت صغر مساحتها وقلة عدد سكانها من خلال لعبها دورا مؤثرا على الساحة الدولية.

فقد عرفت الإمارات من خلال مساهماتها الفاعلة في المنظمات العالمية الكبرى ومن خلال سجل مساعداتها الخارجية ومن خلال دورها المؤثر في الدبلوماسية الدولية، فلا غرو أن يجذب أي تغير انظار العالم. اما اقتصاديا فلا عجب أن تحتل الإمارات هذه المكانة المتميزة. فاقتصادها قفز في فترة قياسية ليصبح ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط سابقا غيره من الدول ذات الرصيد الاقتصادي والصناعي المتنوع. وهكذا أصبحت الإمارات في فترة قصيرة محط الأنظار كتجربة اقتصادية جديدة وكنموذج للمدارس الاقتصادية الحديثة.

إداريا، تميزت الإمارات عن غيرها بحقيقة واضحة ومشهود لها الا وهي تبنيها وجلبها لأفضل الممارسات الادارية العالمية وتطبيقها في الدولة. فأفضل نظم الادارة وأفضل الاجراءات من ناحية الجودة والتميز تطبقها الإمارات في محاولة للارتقاء بنظامها الإداري للأفضل .

وفي محاولة جادة لتلافي أي سلبيات تنعكس على الأداء العام. فلا غرو أن تحوز الإمارات على كل هذه المكانة والاهتمام العالمي وتصبح علما مميزا بين الاعلام العالمية. ففيها تطبق أفضل الممارسات الإدارية وفيها تتعايش كل الجنسيات وفيها يتمتع الفرد بمستوى معيشى رفيع يضاهي ذلك الموجود في أرقى الدول الكبرى.

وعلى الرغم من تلك الانجازات الواضحة الا أن الاهتمام العالمي يظل مربوطا ومركزا على قضية يعتبرها الكثيرون مؤثرة وأساسية الا وهي قضية الرأي والرأي الآخر وهي القضية التي ترتبط بظهور مجتمع مدني فاعل وحريات مدنية غير مقيدة.

حيث يدعي البعض بأن ذلك التطور الحاصل في الإمارات يدفع ثمنه المجتمع المدني التواق الي دور أكثر فاعلية وأكثر تأثيرا على صنع القرار العام كما تدفع ثمنه الحريات المدنية التي غالبا ما تحجم وتقلص من أجل توفير بيئة آمنة للاقتصاد وجودة الإدارة ورفاهية الفرد. هذا النقد الخارجي يجد صدى محدودا للغاية محليا.

فهناك قلة معدودة في الداخل تعتقد بأن حالة التطور الاقتصادي ومتطلباته قد أثرت سلبا على مستوى ومفهوم الحريات المدنية والفكرية. وعلى الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين التنمية والمستوى الذي تصل له الحريات المدنية الا أنه من الواضح أن الحاجة الى مثل تلك الحريات تتضاءل في ظل وجود مجتمع مرفه يتمتع بكافة الامتيازات.

فهدف من أهداف الحريات المدنية هو توفير مستوى معيشي معين وارضاء لرغبات الفرد الروحية والعقلية. فمن متابعة الساحة المحلية يتضح أن الحاجة لتلك الحريات ليست مطلبا جماهيريا بل هو مطلب لفئة صغيرة لا يتعدى عددها أصابع اليد ولأهداف خاصة لديهم.

وعلى الرغم من أن القوانين الدولية لا تحرم على فئة صغيرة التمتع بحقوقها طالما كانت ممارسة تلك الحقوق والحريات المدنية لا تتعارض مع حريات الآخرين وحقهم في العيش الكريم والاستقرار المجتمعي الا أن إصرار هذه الفئة على تعريض الأمن العام للخطر هو ما يثير الانتباه والجدل معا.

فليس من حق فئة أن تفرض رأيها على الفئات الأخرى، بل لكل فئة أن تمارس حرياتها بشرط الا يكون هناك تماس مع حريات الآخرين وأمنهم المجتمعي. فعندما نعطي للآخرين فرصة للتدخل في شوؤننا الداخلية فهذا تعريض لأمننا جميعا، ومساس كبير بالحريات العامة بل مساس بأهم قضية نشترك فيها جميعا الا وهي قضية الأمن القومي. فالدول المستقلة تعتبر أي حالة تهديد للأمن القومي، مهما صغرت، قضية رئيسية تمس أمن الدولة ككل ومن حق الدولة أن ترد بأي إجراء يكفل أمن المجتمع ويردع من تسول له نفسه العبث به.

بل من حق أي دولة أن تعلن حالة الطوارىء أثناء القلاقل الداخلية، وهو اجراء يمكنها من إعادة حالة الأمن والاستقرار الى المجتمع. فلماذا إذاً حالة الاستغراب السائدة من جراء اتخاذ الإمارات إجراءات لحماية أمنها القومي؟

هناك قضية رئيسة تحتاج الى إعادة تفسير، الا وهي مفهوم ومدلول الحريات المدنية والفكرية حتى لا نعود ندور في نفس الدائرة في الأيام القادمة ونعطي فرصة للآخرين في التدخل في شؤوننا. فلابد من النص صراحة على أن ما تتخذه الإمارات من اجراءات هو من أبسط حقوقها كدولة مستقلة لها واجبات تجاه كافة فئات المجتمع وليس فئة واحدة.

كما أن التأكيد على أن ما تقوم به الإمارات هو جزء من منظومة متكاملة من النظم والإجراءات والقوانين التي تحمي كافة شرائح المجتمع وتوفر لهم الأمن والاستقرار. إن الكل ينظر الى الإمارات في قضية تعاملها مع ملفات داخلية مثل ملف حقوق الانسان والمجتمع المدني كبرهان ليس فقط على تواجد تلك الحريات من عدمها بل على الكيفية التي يتم فيها التعاطي مع القضايا العامة في مجملها.

– البيان