سيف الشامسي
لا أعتقد أن أحداً قد تفاجأ بالتصريحات الأخيرة الصادرة من صندوق معالجة الديون المتعثرة للمواطنين والتي تكشف أن بعض البنوك تتحمل جزءا رئيسا من المسؤولية في تفاقم مشكلة الديون المتعثرة بسبب إخلال بعضها بمعايير الإقراض المعتمدة من المصرف المركزي، فالبنوك همها الأول كان ومازال تحقيق أكبر قدر من المكاسب ولو كان ذلك عن طريق إغراق المجتمع بالديون، وتجاوز معايير الإقراض واستغلال كل ثغرة ممكنة فيها. لكن المفاجأة الحقيقة في الحوار الذي نشرته “الاتحاد” مؤخراً مع مسؤولين في الصندوق تكمن في الرقم المخيف لحجم الديون التي يعاني منها نسبة كبيرة من المواطنين، حيث قدر الصندوق قيمة قروض المواطنين التي تتجاوز الاقتطاعات نصف رواتبهم الشهرية بـ40 مليار درهم، ورغم أن هذه الفئة لا تصنف ضمن فئة المتعثرين حالياً لكن حجم الاقتطاعات الكبيرة في مرتباتها تضعها على حافة الخطر.
للأسف إن قضية الديون لا يبدو أن لها نهاية، فالبنوك تضع نصب أعينها تحقيق المكاسب باستمرار، وهذا بالطبع من حقها باعتبارها مؤسسات تجارية هدفها الربح مقابل الخدمة التي تقدمها، لكن المشكلة تكمن في أن بعضها لا يتوانى عن استغلال كل الوسائل الممكنة لتحقيق هذه الأرباح ولو كان ذلك عن طريق التحايل على معايير الإقراض، واختراع وسائل وأساليب تساعد على الالتفاف على المعايير، وتكون النتيجة تفاقم حجم الديون وزيادة أعداد المتعثرين.
للأسف أيضا أن جزءا من المشكلة يكمن في بعض الأفراد من الذين حولوا الديون رغم خطورتها إلى نمط حياة، يعرفون عدم قدرتهم على السداد ومع ذلك لا يتوانون عن الاقتراض، وقد سمعنا عن عدة حالات لأفراد سجنوا أكثر من مرة بسبب عجزهم عن السداد، وتم الإفراج عنهم بفضل المساعدات التي تأتيهم، مرة بإسقاط ديون ومرة بإفراج بسبب مناسبة.
وفي اليوم نفسه الذي نشرت فيه “الاتحاد” الحوار، لفت نظري إعلان خاص منشور لصندوق معالجة الديون، يدعو فيه الأشخاص المفرج عنهم مؤخرا ودائنيهم من الأفراد والشركات، الذين لم يبادروا بالتواصل مع الصندوق، بضرورة سرعة مراجعة اللجنة القانونية لتسوية مديونياتهم وفي حالة عدم المراجعة سوف تتخذ الإجراءات القانونية ضدهم.
وهذه قصة أخرى، تكشف عدم مبالة البعض من الذين أسهمت الدولة بإيجاد حلول لتسوية ديونهم وإخراجهم من محنتهم ومع ذلك تجدهم يتباطؤون في سرعة إنهاء قضاياهم لدرجة صدور إعلانات تحذيرية بحقهم، وهو أمر غريب في حد ذاته، أن تجد أشخاصا ترمى لهم أطوق النجاة لإنقاذهم، ومع ذلك تجدهم يتلكؤون في مد ايديهم والتمسك بهذا الطوق وكأنهم غير معنيين بالأمر. كان الله في عون صندوق الديون المتعثرة، لأننا لا نعرف كيف يمكن مساعدة أشخاص يرفضون مساعدة أنفسهم.
– الاتحاد