الصادق عبدالسلام
أبدى لي استغرابه الشديد من كونه أُصيب بداء السُكر وهو في ريعان الشباب، بينما هو قد تجاوز الأربعين ويهرول نحو الخمسين وأصبح عبارة عن كومة مترهلة من الدهون والشحوم واللحوم ولكنه مازال يُصر على أنه في ريعان الشباب، أي شباب يا أخي!
فقلت له إن أبي لم يصاب بداء السُكري إلا بعد أن تجاوز الستين، وجدي لم تتح له الفرصة للتعرف على داء السُكري مطلقاً إلى أن انتقل للدار الآخرة، رحمه الله، لأنه وببساطة لم يحصل على شرف اللقاء مع طبيب القرية بل كان يفر منه مثلما يفر اللص من الشرطي، وجيري من توم، والسليم من الأجرب. ولم يتعرف جدي على شيكارة السُكر مطلقاً في حياته حيث أكتسب، عليه الرحمة، خبرة واسعة في سحن التمر وتذويبه في كاس الشاي ثم التلذذ بشربه بعد كل وجبة طعام. وأجمع سكان القرية على ترشيح جدي للدخول في مسابقة التنشين بالبندقية في أولمبياد لندن، 1948 بالطبع وليس 2012، لمقدرته الفائقة على ملئ يديه بكمية كبيرة من هذا المسحوق “البلحي أو التمري” ثم تصويبها وكشحها بمهارة فائقة بين فكيه المفتوحين من مسافة تقارب النصف متر دون أن تسقط ذرة واحدة منها على الأرض رغم أن أسنانه قد أكل عليها الدهر وشرب.
وبدورها نجحت جدتي في تطبيق المثل الإنجليزي القائل “أقرب طريق لقلب زوجك يمر عبر معدته” فجدي كان لا يتناول أي طعام لا تعده جدتي، حتى أن “التيك أوي” الخاص به عند التوجه للحقل أو سوق القرية كان عبارة عن صحن كبير تملأه جدتي بالطعام وتلفه بقطعة من القماش بعناية فائقة وتربطه بإحكام خلف سرج حماره الخاص.
وعلى ذكر جدتي، عليها الرحمة كذلك، فهي بالتأكيد لم يخطر في بالها في يوم من الأيام أن المرحوم نزار قباني كان يعنيها، وكاظم الساهر قطع شك لم يعاكسها، عندما كتب الأول ولحن وتغنى الثاني:
إذا مر يوم ولم أتذكر
به أن أقول صباحك سُكر
فلا تحزني من ذهولي وصمتي
ولا تحسبي أن شيئًا تغير
فحين أنا لا أقول أحبك
فمعناه أني أحبك أكثر
صباحك سُكر
فهي لم تسمع بكلمة سٌكر في حياتها وكانت تصحو في وقت لا يفكر فيه أحد من قريتنا في مجرد التقلب على فراشه، ولا حتى الديوك، وتظل تعمل وتكد وتجتهد طيلة اليوم وتنام فور الانتهاء من صلاة العشاء.
وعلى ذكر مرض السكر يُحكى أنه عندما أحضر النادل القهوة وملحقاتها، وفي مقدمتها بالطبع السكر، لأحد بلدياتنا وهو يجلس في مقهى في وسط أحدى المدن الألمانية وضع بلدياتنا مكعب السكر الأول في الكأس ولم يستغرب النادل وانفتحت عينا النادل مع المكعب الثاني وازدادت انفتاحاً مع الثالث وتحولت للون الأحمر مع الرابع وانتصبت شعرات النادل المسكين مع المكعب الخامس وازدادت طولاً مع السادس وعند المكعب السابع اندفع النادل المصدوم لداخل المقهى وأخذ سماعة التلفون ليبلغ الشرطة وخدمة الإسعاف أن أحد سكان العالم الثالث قد قرر الانتحار في المقهى.
حمانا الله وإياكم من داء السُكر،،،