لم تكن دهشة مئة صحافي – يمثلون أكبر مئة مؤسسة صحافية وإعلامية في العالم ، دعتهم دولة الإمارات في عيدها الوطني الحادي والأربعين – بالعمران الذي يخلب اللألباب ، ولا بالأبراج الأعجوبة التي تعانق السحاب ، أو بنية السياحة التحتية التي فاقت تصور الإنسان، ولا حجم الاموال المستثمرة في مشروعات محلية وخارجية تصب جميعها في مصلحة الدولة وفي مقدمتها المواطن ، تؤمن دخلا عظيما للدولة يحافظ على مستوى الرفاه للشعب وأمنه الغذائي والاقتصادي والاجتماعي ، وبالتالي شعور الناس بصدق أُولي الأمر واهتمام البِطانة بمطالب الناس وتطلعاتهم وتهيئة الظروف لتحقيقها كافة . لم تكن الدهشة من وضوح وشفافية المسؤول ، واللغة الواحدة التي يتحدث بها الجميع ، وزراء وموظفون ،عمال وفلاحون ، في علاقة تربط الجميع باحترام متبادل ومصداقية عالية ، حيث لا فرق بين عربي وأعجمي الا بالتقوى ، فلكل واحد دوره لا يستوي أمره إلا بغيره. لم يدهشني أن الناتج الإجمالي 1.2 ترليون درهم ، حيث يمثل النفط 60 % فقط.
أو أن نسبة النمو الاقتصادي بلغت 15 % . ولم يدهشني أن تجارة الذهب وحدها بلغت 50 % من صادرات الإمارات، ولا أرباح البنوك التي زادت على 23 مليار دولار ، منها 8 بنوك إسلامية ربحت 3 مليارات دولار أو حجم التبادل التجاري الذي بلغ مع الهند 53 مليارا والصين 17 مليارا . نعم ؛ لم يدهشني أن تكون الإمارات الدولة الثانية في حجم الإنفاق الرأسمالي بعد السعودية بما يزيد على 25 مليار درهم ، حتى أنك لترى النعمة واضحة في ابتسامات المواطنين والوافدين والزوار والقاطنين ، وعلى الشوارع الفَرِحة المزينة بأكاليل العروس، والساحات التي لبست حلة الخَضار المزركش بألوان الطيف، والمنازل التي حدثتنا عن تاريخها وعناقها الدائم لرايات الدولة وصور شيوخ الإمارات التي كادت تنطق بلغة الترحيب بنا كضيوف أعزاء أدهشتهم صناعة هذه العقول التي كان وما زال همها ان تصنع من دولتهم رمزا ومفخرة ومقصدا للجميع. فيا الله ! كم كان لهذا التفكير وقع في أنفسنا نحن الإعلاميين الأردنيين !
لم تكن دهشتهم لتحط رحالها عند هذه المنجزات والعبر، بل تعدتها الى الرؤى والاستراتيجيات والبرامج التي تحافظ على ديمومة ثراء دولة، ليس بالنفط وعوائده، بل بالسياحة التي ركزت على عجائب الدهشة والتميز وتحقيق متطلباتها خارقة الجودة ! أليس برج خليفة وقصر الإمارات وفندق اتلندس ومدينة النخلة المائية وفندق الخليج وغيرها وغيرها من عجائب السياحة العالمية . أدهشني التوجه نحو الاقتصاد المعرفي ومراكز البحث والتكنولوجيا التي بدأت تستعد لمستقبل أساسه العلم والمعرفة. حيث استراتيجية الدولة في تسخير مليارات الدراهم للنهوض بالبحث العلمي والتكنولوجي واستقطاب خيرة العلماء والباحثين خاصة في مجال الطاقة البديلة والنظيفة ، لتكون الإمارات متميزة في المنطقة ، فهذا مركز مصدر للتكنولوجيا شاهد عيان على قدرة هذه الدولة التي استشرفت المستقبل لتصنع منه حاضرا قلّ مثيله في منطقتنا.
هل نتحدث عن تشجيعها للاقتصاد الصغير والمشروعات الصغيرة التي خصص لها صندوق خليفة مليار دولار سنوي لتكون مركزا للأمن الغذائي الذي يتطب أعلى معايير الحماية للمستهلك سعرا ونوعية .
ما أدهشنا أن خطة الاستثمارات الخارجية غير نفطية. ففي مجال الطاقة البديلة النظيفة ، تنفذ مشروعات خيالية ، حيث نفذت في بريطانيا واستراليا مشروعات إنتاج زادت في لندن على 620 ميجا واط.
والدهشة الكبرى جاءت من دور المرأة الذي غاير ما كنا نتصور ، حيث إن 67 % من الإماراتيين العاملين من النساء وإن مراكز البحث التكنولوجي تضم 37% من النساء الباحثات والتكنولوجيات، وهذا ضمن خطة وطنية لتفعيل دورها بالمشاركة في الانتاج القومي باعتبارهن نصف المجتمع . التفكير الذي جمع بين مشاركة الجميع والتركيز على التكنولوجيا والبحث العلمي لا يمكن إلا أن يكون على الطريق الصحيح .
الإمارات لم تكن مجرد دولة ثرية تستخدم دولاراتها من أجل مواقع ومكاسب سياسية سرعان ما تنهار، بل هي دولة تريد أن تصنع مستقبلها على خطى ثابتة، أو لنقل لتصنع مستقبلها إلى ما بعد النفط .
* صحفي من الأردن ..ورئيس مجلس ادارة صحيفة العرب اليوم