عائشة سلطان
العالم يتغير أمام أعيننا بوضوح، سواء أعجبنا هذا التغيير أو لم يوافق هوانا، ليس في السياسة فقط، بل على كل المستويات، فقوانين التغيير لا علاقة لها بمزاج البشر، ولكن بمصالحهم وبقوى التأثير التي تحرك الأحداث، وقبل ذلك بقوانين المنطق والطبيعة التي ترفض السكون والثبات.
لقد تعارف أهل السياسة على مقولة، إن الثابت الوحيد في هذا الكون هو التغيير، أما الذين يواجهون التغيير بالأمنيات والدعوات دون تأمل واستخلاص العبر والاستعداد للمرحلة القادمة، فأظنهم سيواجهون ظروفاً صعبة عندما يفرض التغيير إرادته على الجميع.
انتهت تلك السنوات البعيدة التي فصلت بين تاريخ وآخر وبين عالم وعالم وبين دول ودول، تلك السنوات التي كانت تجعل دولاً تنظر إلى أخرى بفوقية أو حتى عنجهية أحياناً، على اعتبار أنها الأقوى والأكثر غنى وتحضراً، لقد ولدت تلك الفجوات الحضارية بين المجتمعات مقاييس ومعايير في مجال التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، كما أفزرت في فترة سابقة حالة من الشعور بالدونية لدى البعض، فصارت شعوباً ومجتمعات مختلفة تجلد نفسها يومياً بتهم كالتخلف والرجعية والأمية و…
يقول “المنصف المرزوقي” في كتابه “متى ستطأ الأقدام العربية أرض المريخ؟”… عندما عدت من رحلة الدراسة في فرنسا إلى بلدي تونس، وجدت الكل يتحدث عن نفسه في الشارع بعدم احترام، فكل ما هو سيئ كان يلصق بالعرب، إذا تأخرت عن موعدك مثلاً قيل لك هذه مواعيد العرب، وإذا لم تحترم إشارة المرور سمعت عبارة هؤلاء هم العرب، وإذا لم تنجز معاملة مراجع في دائرتك، فذلك متوقع منك؛ لأنك موظف عربي في مؤسسة عربية، وهكذا.
العالم يتغير اليوم، الدول العربية التي لطالما نظرنا إليها على أنها الأرقى والأكثر تحضراً وعلماً ورقياً وثقافة وتماسكاً اقتصادياً، دخلت في طور التراجع وهبوط المؤشر الحضاري، بحسب نظرية الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، تلك واحدة من سنن الاجتماع الحضاري تنطلق المدينة في فورة صعود هائل ثم تستقر لسنوات وفق ثبات معين تحافظ من خلاله على مكاسبها ونظامها العام دون خلل أو اختراق حتى إذا بدأت علل الحضارة تنخر في جسدها “الحروب، الفساد، الصراعات، العزلة، الترف والاستهلاك دون عمل واجتهاد..”.
بدأت مرحلة السقوط، هذا ما يحدث اليوم لمجتمعات ومدن عربية كثيرة كانت ذات يوم درراً مضيئة في سماواتنا العربية، فأين هي اليوم وأين ذلك الوهج والبريق والدور الكبير؟
العالم يتغير لصالح منظومات جديدة “دول الخليج أهمها”، بدأ يلمع نجمها بشكل كبير، طور حضاري يمنح دول الخليج أدواراً جديدة في الميزان السياسي والحضاري والاقتصادي العربي وحتى العالمي، فمدن مثل دبي وأبوظبي وفق المؤشرات العالمية هي أفضل المدن من حيث مستويات المعيشة وظروف الحياة والاستثمار، انتقلت كبريات مؤسسات الإعلام والمهرجانات الكبرى إلى هنا “مهرجانات السينما، التسوق، الشعر، الاقتصاد..”، بينما جامعاتنا تدخل تصنيف الجامعات الـ500 الأفضل على مستوى العالم، إضافة إلى أعلى الدخول وأفضل بيئات الاستثمار في العالم، بينما إحصاءات تنامي الاقتصاد تؤكدها المنظمات الكبرى.
إسبانيا اليوم تعاني اقتصادياً، وإيطاليا تترنح واليونان في أسوأ حالاتها، والولايات المتحدة مدينة للصين، وبريطانيا تبيع مرافقها ومعالمها المشهورة للشركات بسبب الضائقة المالية، والفرنسيون يقولون بصراحة فرنسا لم تعد لنا.. إنها للمهاجرين، بينما الصين ودول الخليج وتركيا وماليزيا اقتصادات تنمو لتتبادل الأدوار، وارثة أنظمة شكلت ذات يوم أساطير وإمبراطوريات.
– عن الاتحاد