جمال بن حويرب المهيري
الليوا” نوع من أنواع العروض الفلكلورية القادمة من أدغال إفريقيا، ولا يُعرف متى ولا كيف دخل إلى الإمارات، وقد يكون وصل أولاً إلى عُمان حيث كانت سواحل إفريقيا خاضعة للحكم العماني قديماً، وخلال تلك الفترة انتقل كثير من الناس إلى سواحلنا العربية وانتقلت معهم عاداتهم وتقاليدهم وفنونهم الغنائية. وقد قرأتُ أنّ “الليوا” تعني الشرب في لغة الساحل الشرقي الإفريقي، وذلك لأنّهم يجتمعون فيشربون ويرقصون هذه الرقصة التي لا أخفيكم أنّي لا أطيق مشاهدتها، ولن أصفها لكم ولكن سأكتفي بنقد من يريد أن يدخل هذا الفن في تراثنا القومي وهو لا يمتُّ له بصلة.
لا يعني كلامي ونقدي أنّي ضد الانفتاح على تراث الشعوب الأخرى، أو أنّني أبغّض الناس في مشاهدة فنّ “الليوا” الإفريقي بدعوى أنّي لا أطيق مشاهدته، هذا غير صحيح، بل حبُّ الفنون يعود إلى الأذواق وكلٌّ منّا يحبُّ أمراً ويكره آخر حسب طبعه وميوله النفسية، فأنا مثلاً أحبُّ كثيراً مشاهدة “العيّالة” القديمة و”العرضة” النجدية التي أشعر بالحماس والفخر عند مشاهدتي لها، خاصة عندما أسمع أشعار الفرسان وكبار الشعراء فيها، حتى لا أكاد أميل إلى مشاهدة غيرها، وهناك أقوام لا تراهم يحبُّون فن “العيّالة” ويجدونها ثقيلةً على أنفسهم، وهذا كما قدّمت عائد إلى الطباع المتأصّلة في كلٍّ منّا، وكما قال المتنبي:
يُرادُ من القلبِ نسيانكمْ
وتأبى الطباعُ على النَّاقلِ
وأمر الطباع مشاهدٌ ومجرّبٌ، فالطبع لا يتغيّر ولا يتبدل كما يعلم الجميع، وكذلك الأذواق منشؤها من الطباع ولا حجْر على أحدٍ فيها ولا يمكننا أن نأطِر (نعطف ونلزم) الناس بفنٍّ دون آخر، ولكن هل يصحُّ أن يقوم بعض الجهات الحكومية بتأصيل هذا الفن الإفريقي الذي يسمّى “الليوا” وتقوم بإدراجه في تراثنا الإماراتي في كلّ مناسبة داخليّة أو خارجيّة حتى صار الأمر ضربة لازبٍ، ممّا جعل الناس تُصاب بالدهشة من كثرة الاهتمام به وأنا أحدهم، وأكثر ما أثار حفيظتي أن أرى هذه الفِرَق في إحدى الدول المتقدمة وهي ترقص “الليوا” في منظرٍ غريبٍ وعجيب، وهم يلبسون العقال، فزادوا الطين بِلّةً، وهم في العادة لا تراهم محلياً يلبسونه فمن أمرهم بلبسه في الخارج!
إنّ عجبي هذا قد وجدته في كثير من التغريدات الإمارتية في “تويتر” وفي المنتديات، وسمعته في المجالس حتّى في سلطنة عمان الشقيقة، فقد وجدت عندهم من ينتقده بل أحدهم كتب قصيدة قوية عندما رأى الناس يؤصّلون “الليوا” في التراث العماني، وهو الشاعر القاضي محمد بن شامس البطاشي رحمه الله، يقول:
إن كنتَ تبحــثُ عن تُـراث عمــانِ
وشعارها المعروف في الأزمــــانِ
سلْ عن “جُلندى” والمهنّا المرتضى
وعن ابن كعبٍ سلْ وعنْ غســــّانِ
والصلت إذ أزجى الخمـــــيس إلى
الحبوش كمثل أسد الغيلِ والعقـبانِ
فاستنقذوا منهم “سقطرى” بعدما
مُنيت بظـلمٍ مفظــعٍ وهـــــوانِ
وبعد أن ذكر تاريخ عمان ومفاخرها، قال يذكر “الليوا” وغيره من الفنون والعادات مما جُلب إلى عمان وليس من تراثها:
هــذا تراثُ عمـــان لا “الليـوا” ولا
“النيروز” و”الزار” الخسيسُ الشانِ
قلتُ: إذا كان أهل عمان ومؤرخوها يقولون إنّ “الليوا” ليس من تراثهم وهجوه بهذه الشدة، فماذا نقول نحن أيّها الأعزاء؟!.. وللمقالة بقيّة.