عائشة سلطان

جاء على موقع المجلة الشهيرة على شبكة الإنترنت هذه النبذة التي تلخص تاريخ النشأة والهدف من ورائها: “الزمان 13 يناير 1888، المكان واشنطن العاصمة، الحدث اجتماع 33 شخصاً يجمعهم طموح جامح لخدمة الشأن العام، من أجل مناقشة “إمكانية تأسيس جمعية” تهدف لتوسيع آفاق المعرفة الجغرافية ونشرها عبر العالم”. كان هؤلاء أصحاب تخصصات مختلفة، من جغرافيين، ومستكشفين، ومحامين، وضباط عسكريين، وعلماء أرصاد جوية، ورسامي خرائط، وعلماء طبيعة، ومصرفيين، ومدرسين، وعلماء أحياء، ومهندسين، ومخترعين. كان قائد هذه النخبة محامياً يدعى غاردينر غريني هابرد، الذي سرعان ما انُتخب رئيساً لهذه الجمعية، التي اختير لها من الأسماء “الجمعية الجغرافية الوطنية”، هكذا ولدت أكثر المجلات العلمية رصانة وتأثيرا في العالم: مجلة ناشيونال جيوغرافيك.
لم يكتف المؤسسون بذلك، فقد ظلوا يقفون خلف إنجازهم بقوة وإرادة وإيمان، كان هناك هدف أوسع من الجغرافيا الأميركية يحركهم، هو أن يخدموا العلم، ويسبروا أغوار مجاهيل الطبيعة، ويصلوا إلى كل الناس في كل مكان وبلغاتهم، وقد توالى على رئاسة الجمعية شخصيات عديدة خلال أكثر من قرن، لكن أحدا منهم لم يفكر – كما في بلاد كثيرة نعرفها – أن يستحوذ على التاريخ أو يصادر المنجز الكبير لشخصه، ظل الهدف والغاية واضحين تماماً، فظهرت المجلة بلغات مختلفة، وتحولت صور الطبيعة والمجاهيل البعيدة والأحداث إلى ما يشبه الأيقونات، التي تدلل على مدى حرفية المشتغلين فيها، لا شيء ينشر بالصدفة، أو لإرضاء فلان أو لأن هناك فراغاً لابد من ملئه بأية مواضيع، كان كل موضوع وكل عدد يشكل تراكما في البناء التاريخي للناشيونال جيوجرافيك، وكان الحفاظ على المستوى وتطوره وحرفيته رسالة من غير المسموح تجاوزها أو العبث بها.
ثم تحولت المجلة الى قناة تلفزيونية من أكثر قنوات الكيبل شهرة وأهمية في الولايات المتحدة، لم تقع في التناقض المخيف بين العلمية والرصانة، وبين المتعة والفائدة، فجمعت بين متطلبات الوسيلة وأهداف الرسالة: التلفزيون متعة بصرية، ومضمون القناة فائدة وثقافة وعلم حقيقي قائم على التأصيل الحقيقي، وكل أدوات البحث العلمي: لم يتخل رؤساء الجمعية ولا مراسلو القناة أو كتاب المجلة عن هدفهم، وظل العالم العربي ينتظر اللحظة بفارغ الصبر، الحصول على نسخة المجلة باللغة العربية بنفس معايير الحرفية والعلمية والمتعة، فكان أن تحقق الحلم وزادت أبوظبي بان أطلقت القناة ضمن باقة قنوات أبوظبي وتحت مظلة أبوظبي للإعلام ! الناشيونال جيوجرافيك درس كبير لمن يريد ان يتعلم شيئا عن الصحافة المتخصصة، وعن تحويل الوسيلة (التلفزيون – الصحيفة – جهاز الحاسوب…. الخ، إلى رسالة إعلامية حقيقية، هكذا ينتج العمل المؤسسي في الغرب مفرداته ومؤسساته المستقلة، وحتى حين جاءت النسخة العربية مجرد ترجمة لتلك الأجنبية فإن الأمر لم يخل من تبرير منطقي له علاقة بالإمكانيات الصحافية العلمية وحداثة مفهوم الصحافة المتخصصة في عالم الصحافة والصحفيين العرب، هذا لا يعني أننا لا نعرف أو لا نقدر لكننا – حسب ظني – لأننا لا نريد ! نعم، فالمشاريع الضخمة التي تستمر قرونا في عالم الصحافة بحاجة إلى إرادة ورؤية وإمكانات مالية، وليس لمجرد الرغبة والأحلام، الأحلام عتبة البداية ولكنها ليست وسيلة الانطلاق والاستمرار.
كانت لدينا في الوطن العربي مشاريع صحفية ذات تاريخ وعراقة لكنها انتهت ! كيف ولماذا ؟ سؤال للجميع !

– الاتحاد