فيما يُحيى المصريون اليوم، الذكرى الثانية لاندلاع ثورة 25 يناير، علّق الثوار آمالاً عريضة على بدء عهد جديد نحو واقع أفضل على جميع الصُعُد لا سيما في مجالي الاقتصاد والحريات العامة.
غير أنه وبعد مرور عامين على تلك الثورة تراجع النشاط الاقتصادي، وبات المدافعون عن حرية الرأي في مرمى نيران الانتقادات التي تصل إلى حد الاتهام بعرقلة جهود أول رئيس مدني منتخب عن المضي في خطة انتشال البلاد من عقود الفساد والتخلف.
غير أن فعاليات معارضة أهمها «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تتكون من 16 حزباً، وقطاعات واسعة من المصريين يرفضون السير بالاتجاه الذي ربما، بحسب رأيهم، «قد يودي بسفينة الوطن وتحطمها على صخور رغبة جماعة الإخوان المسلمين في السيطرة على مقاليد الأمور والعمل على أخونة الدولة من دون النظر إلى خسائر البلاد طالما هناك ربح للجماعة».
ودعت جبهة الإنقاذ الوطني، في بيان أصدرته، المصريين للاحتشاد بمختلف الميادين في الذكرى الثانية للثورة تحت شعار «استمرار الثورة والتصدي لأخونة الدولة »، معتبرة «أنه بعد عامين من الثورة المجيدة، تراكمت أخطاء النظام الإخواني وقصوره وعجزه ما أدى إلى تدهور الاقتصاد ومضاعفة معاناة الملايين من أبناء شعبنا، وانفلات الأمن الداخلي والقومي، وتراجع الحريات العامة والخاصة، وهو ما يدفع البلاد إلى هوة الدولة الفاشلة».
وقال القيادي البارز بالجبهة جورج إسحق إن «25 يناير 2013 يوم فارق في تاريخ مصر، وكل المواطنين متحفزين لاستعادة ثورتهم والتأكيد على استمراريتها حتى تحقيق مطالبها المتضمنة في شعار: عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة إنسانية، وإسقاط الدستور غير التوافقي الذي قسَّم البلاد».
وكان دستور جديد تم إقراره أواخر ديسمبر 2012 بنسبة 68.3 في المئة من إجمالي عدد المصوتين في الاستفتاء على مشروع ذلك الدستور.
غير أن فقهاء دستوريين يرفضون الدستور لأنه «تجاهل حقوق المرأة والعمال والفلاحين»، معتبرين أن الدستور «باطل من الأساس لأنه افتقد شرط تصويت 50 في المئة زائد واحد من إجمالي عدد المقيدين بالجداول الانتخابية وهم 52 مليون مواطن، بينما بلغت نسبة المشاركة 38 في المئة».
ورفض إسحق، الحديث المتكرِّر بأن المشاركين في إحياء مناسبة الثورة سيعمدون إلى العنف، مؤكداً أن المصريين «سيخرجون إلى الميادين للمطالبة باستكمالها وتحقيق مطالبها».
خطر الأخونة
ويرى مراقبون أن ما يمكن اعتباره سخطاً عاماً وغضباً شعبياً يأتي من جانب مصريين يمثِّل سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم تحسن أوضاعهم المعيشية مبعث همهم الأول.
وفي هذا السياق، بدت جماعة الإخوان المسلمين رافضة لفكرة إحياء ذكرى الثورة من خلال التظاهر، مفضلة «أن تكون الذكرى مناسبة لبناء إنجازات تضاف إلى الوطن والمواطن من خلال حملة تشمل غالبية المحافظات تهدف إلى معاونة الدولة لإعادة تهيئة المدارس وتجديدها، وتوفير جزء من مستلزمات المستشفيات، إلى جانب تخفيف الأعباء عن كاهل المواطن بصور مختلفة».
وتساءل الأمين المساعد للجنة القاهرة في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين خالد حنفي، في تصريح مقتضب، عن جدوى التظاهر، مشيراً إلى «أن الحزب يحتفل بذكرى الثورة بشكل بناء يفيد الوطن والمواطن»، على حد وصفه.
غضب شعبي
بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان جهاد عودة إن تظاهرات ذكرى الثورة «لن تكون مجرد نزهة يعود بعدها المتظاهرون إلى منازلهم بل سيكون يوم التظاهر يوم غضب شعبي»، محذِّراً من أن قطاعات عريضة تشعر بالغضب «بسبب تدهور الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري فضلاً عن عدم تحقق مطالبه بعد إسقاط النظام السابق في الحرية والكرامة الإنسانية».
واعتبر عودة أن العامل الاقتصادي هو «واحد من جملة معطيات تُنذر بوقوع مخاطر على المدى القريب أبرزها التمييز ضد الأقباط وانتشار السلاح بشكل عشوائي»، متسائلاً عن أوضاع الأمن في القرى والمدن والمناطق النائية «بعد أن بات إطلاق الرصاص والتراشق بزجاجات المولوتوف الحارقة مشهدا متكررا في مشاجرات بوسط العاصمة».
ورأى عودة أن «هناك تخبطاً في العمل داخل مؤسسات الحُكم وعدم القدرة على العمل بشكل احترافي وانقساماً داخل النخبة الحاكمة بشكل عام بما يشي بأن هناك تيارين مختلفين في الآلية وليس بالضرورة في الهدف».
رسالة البلتاجي
وما أشار إليه جهاد عودة، عكسته رسالة وجهها القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إلى الرئيس المصري محمد مرسي رفيقه في الجماعة، طالبه فيها بـ «ضرورة إعلان خريطة طريق للمرحلة المقبلة».
وقال البلتاجي: «الصورة الآن صارت واضحة جلية أمام عينيك ومن حقنا أن نعرف حقائق الأوضاع وكيف تُعد لمواجهة التحديات. ومن حقنا أن تعرض علينا مشروعات الوطن الكبرى المنتظرة، من حقنا أن تعرض علينا خطتك وبرنامجك الفعلي بعد أن اتضحت الحقائق بين يديك».
بعيداً عن السلم
ويُحذِّر مراقبون من أن الأوضاع القائمة تشي باحتمال انحراف التظاهرات عن سلميتها، معتبرين أن تلك الأوضاع باتت أسوأ مما كانت عليه حينما سقط قتلى ومصابون في احتجاجات شهدتها مختلف أنحاء مصر على طرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء بعد تظاهرات واعتصامات مماثلة بمناسبة مرور 100 يوم من بداية فترة حكم مرسي ومحاسبته على عدم تنفيذ وعود قطعها على نفسه بحل خمس مشكلات: الأمن، والمرور، ورغيف الخبز، والقمامة، والطاقة.
وتشي المعطيات الراهنة على الساحة المصرية أن الأيام المقبلة حُبلى بأحداث قد يمتد أثرها على المدى المتوسط والبعيد ليرسم خارطة لواقع ومستقبل مصر في العهد الجديد.
– البيان