يعيش جناحا السلطة في الكويت: الحكومة ومجلس الأمة حالة من الاحتراز غير المعهود، فالطرفان يريدان إثبات انسجامهما فيما يبدي العديد من النواب تململاً من طريقة تعاطي الحكومة معهم.. وسط حالة حذر يفرضها ترقّب البلاد لقرار المحكمة الدستورية في دستورية مرسوم الضرورة الأميري الذي أصدره الشيخ صباح الأحمد الصباح وعدّل بموجبه القانون الانتخابي ليصبح لكل ناخب صوت واحد عوضاً عن أربعة أصوات.. فالحكم إما يعني المضي قدماً أو يعيد الجميع إلى المربّع الأول وإلى صناديق الاقتراع.
السلطتان التشريعية والتنفيذية تجتهدان لتحقيق إنجاز ما، فاللجان النيابية تعمل على مدار الساعة لفحص وتدارس ما يقدّم إليها من مراسيم ومن قرارات حكومية ومن مشاريع قرارات ويسعى النواب الخمسون لترك بصمة تنجزه في يوم قد يكون غير بعيد: ثلاثة شهور أو ثلاث سنوات.. لا أحد يعلمها سوى المحكمة الدستورية.
ويرى بعض المحلّلين أن السلطتين التشريعية والتنفيذية مشلولتان بسبب عدم حسم المحكمة الدستورية أمر مرسوم الصوت الواحد..
ويقول رئيس جمعية تنمية الديمقراطية في الكويت ناصر العبدلي إنّ المجلس الحالي «مجلس استثنائي» وبالتالي لا يمكن أن تسقط عليه المعادلات القديمة. ويعتبر أن المجلس الحالي ولد «جنيناً مشوّها» وأنّ هذه الحالة انعكست على أعماله، لافتاً إلى أن المجلس «غير قادر على طرح قضايا جادة… أو يراجع قضايا عالقة. وكل ما نلمسه هو الانتظار لقرار المحكمة الدستورية» في إشارة إلى الطعون (عددها 52) المقدّمة إلى المحكمة من مرشّحين ومواطنين في دستوريته.
وتوقّع العبدلي أن يصدر حكم «الدستورية» في نهاية شهر مارس.. ويرى أن «الجمود» وتأجيل هذه القضايا المحورية هو الغالب على مواقف مجلس الأمة وكذلك الحكومة.
ولا يوافق العديد من النواب الذين تحاورت معهم «البيان» على هذا التحليل ويرون أنّ مجلسهم الذي بدأ دور انعقاده قبل أقل من 45 يوماً حقّق ما عجزت عن تحقيقه مجالس كثيرة ماضية.
وعن سيناريوهات المستقبل في حال قضت المحكمة بعدم دستورية قانون الصوت الواحد (المرسوم الأميري المعدِّل لقانون انتخابات مجلس الأمة)، أشار رئيس جمعية تنمية الديمقراطية في الكويت إلى سعي نيابي ـ حكومي لإقرار قانون بنفس صيغة المرسوم تحسباً لإبطاله من قبل القضاء يكون محصّناً، وبالتالي الإبقاء على الصوت الواحد في الانتخابات المقبلة التي تلي بطلان المجلس.
ومع ذلك يبدو أنّ «وحدة المعارضة» مرهونة بقرار المحكمة، فهي إن قضت بدستورية المرسوم وحصّنته ستخرج الحركة الدستورية (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين) من تحت عباءة الحراك وستصوّب سهامها وجهودها لإسقاط المجلس والدفع نحو إجراء انتخابات جديدة بـ«الصوت الواحد».. فيما تبقى كتلة العمل الشعبي على موقفها، وهي في هذه الحال ستكون وحدها.
وفي خصوص توجّه المعارضة إلى تدويل قضية الخلاف مع السلطة حيال تعديل قانون الانتخابات، يقول العبدلي، بعد أن يشير إلى ضعف وتراجع الدعم الشعبي لمسيرات المعارضة وحراكها، إن المعارضة لمست هذا التراجع وبالتالي وصلت إلى قناعة أن «السلطة في الكويت لا تضع أي حساب للداخل» وبالتالي كان الاعتقاد بأنّ العامل الخارجي أكثر تأثيراً.. ومع ذلك يشير إلى أن الحراك يعاني بعض الخلافات في مواقف الكتل المعارضة.
وهو يرى أن المعارضة وقعت في أخطاء في تكتيك العمل، إذ بدأت حراكها بزخم قوي بدل التصعيد التدريجي، فضلاً عن غياب الاجماع الوطني والسياسي حيال الحراك، مشيراً إلى غياب قوى سياسية فاعلة تعارض المرسوم وتعارض اللجوء إلى الشارع، مثل: التيار الليبرالي (المنبر الديمقراطي والتحالف الديمقراطي) وجناح من التيار السلفي.
ومع ذلك، ورغم الفتور الذي يبدو أنّه أصاب قواعدها، لاتزال المعارضة التي تنتظر حكم المحكمة الدستورية تراهن على ورقة الحراك الشعبي كوسيلة ضغط على السلطة.
وفي موازاة هذا الترقّب، لا يبدو أنّ أغلبية نواب مجلس الأمة «مطمئنة» إذ ترى أن حكماً ببطلان المرسوم سيعيدها إلى الشارع من جديدة وإلى حكم صناديق الاقتراع.. لذا يبدو التحوّط واضحاً على أداء الكثير من النواب، وبخاصة من هم في سنة أولى برلمان، عبر الاجتهاد في طرح مشاريع بقانون وتقديم طلبات إحاطة وأسئلة برلمانية إلى الوزراء، ولا يخلو الأمر من تلويح باستجوابات.. واللافت أنّ النواب الراغبين في الاحتفاظ بالكرسي النيابي يحرصون على فتح دواوينهم لأبناء المنطقة التي يمثلونها والالتزام بحضور الجلسات.
وهنا يمكن رصد «استماتة» الكثير من النواب في طرح موضوع «اسقاط فوائد الديون» عن عشرات آلاف الكويتيين المقترضين قبل «إسقاط» المجلس..
وهو ما يبدو أنّ الحكومة لا تحبّذه ولا تجاريه في مشهد غير مسبوق في الحالة السياسية الكويتية في العلاقة بين السلطتين، إذ إنّ السلطة وحتى الآن لا تزال تمسك بالزمام وباتت أقرب إلى وضعية الهجوم منها إلى الدفاع كما كان عليه الحال في العلاقة مع البرلمانات السابقة، على الأقل الخمسة الأخيرة..
فرغم تردّد أن ملف القروض يحظى بتأييد ما يتجاوز الـ40 نائباً، من أصل 50، إلاّ أن التقدم يتحطّم على صخرة «المعارضة الحكومية» لكلفة هذه التسوية.
استفزاز مضاد
وفي أجواء هذا الترقب، طرحت شخصيات برلمانية مشروعاً سبّب فرقعة سياسية ولغطاً كبيراً، رغم أنّ الكثير من المحلّلين قللوا من جدّيته، مضمونه تعديل قانون الترشح يقصر أهلية المتقدّم لعضوية مجلس الأمة على من ينحدر من آباء وأجداد استوطنوا الكويت قبل العام 1920، وهو ما يصيب في الصميم القبائل والشيعة الذين تجنّست الغالبية منهم في حقبة الستينات من القرن الماضي بُعيد نقل الكويت استقلالها عن بريطانيا.
لكن التسريبات حيال المقترح خبت سريعاً وإنْ ربطها البعض بتصريحات الشيخة فريحة الأحمد الصباح أخت الأمير الشيخ صباح الأحمد وشقيقة ولي العهد الشيخ نواف الأحمد والتي نقل عنها تشكيكها في مواطنة بعض القبائل التي تحوّلت عن موالاة النظام وباتت تتقدّم صفوف المعارضة والمقاطعة باعتبارهم «لَفُوا» أو وافدين طارئين.
موقف ضبابي
وفي ظل صورة ضبابية لمآلات ما يجري بين الحكومة والبرلمان القائم من جهة وبين الحكومة ومعارضة البرلمان المبطل من جهة ثانية وما يدور في غرف قصر العدل التي تنظر فيها الطعون الـ 52 يبدو المشهد الكويتي مترنّحاً بين استقرار ولا استقرار.
وفي هذا المنحى، يؤكد النائب في مجلس الأمة المحامي نواف الفزيع على أنّ الوضع الحالي يتطلب تضافر الجهود النيابية والحكومية والشعبية لإخراج البلد مما تعانيه من مشكلات عدة أبرزها مكافحة الفساد الذي أدى إلى شلل في حركة التنمية.
وأوضح الفزيع لـ«البيان» أنّ النواب الحاليين يمثلون شريحة كبيرة من الشعب، لافتاً إلى انه ضد أسلوب المعارضة وليس ضد قناعاتها، فالكويت بلد ديمقراطي وللجميع الحق في إيصال ما يريد ولكن بالطرق الدستورية والقانونية.
وحول توقعه لحكم المحكمة الدستورية بشأن مرسوم الصوت الواحد كما حصل مع المجلس السابق المبطل، أكد الفزيع أنّ هناك خلافاً بين الحالتين، ففي الأولى يكون الطعن على تقدير الضرورة، أما في الثانية فكان خاصاً بالإجراءات. وتابع القول: «بشكل عام فنحن تأكدنا من سلامة الإجراءات الدستورية»، معرباً عن أسفه لـ«المواقف غير الواضحة من التطاول» على الشرعية الدستورية.
حراك مستمر
في المقابل، يؤكد النائب السابق خالد الطاحوس ان حراك كتلة الأغلبية السابقة مع الحراك الشعبي مستمر حتى يتم حل المجلس وسحب مرسوم الصوت الواحد الذي أتى به.
ويشدّد الطاحوس في تصريح لـ«البيان» على أنّ المعارضة منسجمة مع بعضها البعض ومنسجمة كذلك الحراك الشعبي ولا تعاني العزلة أو قلة الهمة لوضوح أهدافها وشفافيتها، مبيناً أنّ لا حوار مع رجال الأمن في المسيرات السلمية خاصة في ظل ما يصفه بـ«بلطجة السلطة وانتهاك الدستور والقانون وإهانة الشعب»، وأضاف ان «الإرداة الشعبية لن تنكسر وستبقى السيادة للأمة حسب ما نص عليه الدستور الكويتي».
وأوضح أنّ الأغلبية تكونت من أجل الإصلاح ولا يهمها كرسي المجلس «بل مصلحة الكويت العليا» هي من تحركها، مشيراً إلى أنّ وزارة الداخلية «فشلت وستفشل نتيجة تعاملها اللاقانوني مع المسيرات السلمية للشعب الكويتي.
– البيان