أمل المهيري
متصعلك، ينصب هنا وهناك، يقترض من هذا وذاك، ويختفي ويتهرب من السداد، يوهم ضحاياه بمقدرته على استثمار أموالهم في مشاريع مربحة حتى ولو كانت صغيرة وبسيطة، ولا تكلف كثيراً من المال، لكن الضحية سرعان ما يكتشف خداعه ونصبه، فيبدأ مسلسل مطالبته بالمال، ويبدأ هو بالهروب والاختفاء، حتى صار مكروهاً من الجميع بما في ذلك عائلته التي تخلت عنه، أو هو تخلى عنها لخشيته أن يطالبه أحد بما عليه من ديون، فابتعد عن الناس ممن يعرفونه، فلم يعد قادراً على النصب عليهم أو حتى الاستدانة منهم، انعزل عن العالم، إلا من بضعة رفقاء سوء لا يزال يتردد عليهم كلما احتاج الى الطعام أو مشروب كحولي يعجز عن شرائه..
كثيراً ما يجد نفسه قابعاً وحيداً في شقته المعتمة، التي تحولت الى ما يشبه مكباً للزبالة، لعدم الاهتمام بها وتنظيفها، يجلس أحيانا في لحظات صحو لمحاسبة نفسه، كيف انتهى به المطاف الى هذه الحالة، كيف انتهى به الأمر مفلساً، مديناً، عاطلاً عن العمل، كيف تخلى عن كل من يحب، وعن كل معارفه ومن أجل ماذا..؟!
قد يعتصره الندم والألم أحيانا، لكنه سرعان ما يعود الى طبيعته، يبحث عن ضحية جديدة ليستنزفها بطلب المال من أجل مشاريع وهمية واستثمارات غير منطقية معتمداً على طمع ضحاياه وعدم معرفتهم بالسوق وبالاستثمارات، ولا يفيق أي منهم الا بعد اختفائه بعد ان يكون حصل منهم على بضعة آلاف ينفقها على أشيائه التافهة..
أحياناً يعتقد أنه ليس بإمكانه الخروج من هذا المأزق، لقد علق في هذه المنطقة المعتمة، ولم يعد هناك بصيص أمل للخروج، لم يعد هناك حل، إلا في أمرين، إما دخول السجن أو الموت، حتى يكفّر عن كل أخطائه، غير أنه ما يلبث أن يفيق من تلك الحالة، وفي يوم من الأيام شعر بعدم الرغبة في الخروج من المنزل، شعر بعدم الرغبة في الحياة، شعر بالندم، وبالشوق الى عائلته، تمنى أن يمحو الماضي، وأن يجد فرصة للبدء من جديد، تغطى بلحافه وأغمض عينيه ونام..
في صباح اليوم التالي، لم يصحو، استمر في نومه الذي لم يفق منه بعد ذلك..
بعد بضعة أيام، شعر حارس البناية أن هناك أمراً مريباً في تلك الشقة التي تخرج منها رائحة نتنة، طرق الباب مراراً وتكراراً ولم يجبه أحد، وفي نهاية الأمر اتصل بالشرطة ليبلغهم بشكوكه، ليفتحوا الباب ويجدوه نائما على فراشه البائس، كما هو منذ بضعة أيام، وقد فارق الحياة..
– الاتحاد