نورة السويدي
من جديد تعيد الإمارات تأكيد كفاءتها وجدارتها في شغل المكانة العالمية التي تليق بها، في بعدها الإنساني واهتمامها بتفاصيل كل ما يضمن مساهمتها في الهموم الإنسانية، على نحو يستحق التقدير والثناء العالمي.
قبل أشهر قليلة أعلنت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، أن الإمارات هي الأولى في منطقة الشرق الأوسط، بين أعضاء المنظمة، في تحديد هوية ضحايا الأزمات والكوارث. ولم تكتف الإمارات بهذا الإنجاز لتضيف إليه متابعة متواصلة بهذا الشأن، كان آخرها قبل أيام استضافة المؤتمر الأول في المنطقة لتحديد هوية ضحايا الكوارث، ما يجسد الدور الرائد في مجال نقل المعرفة والاطلاع على أفضل الممارسات الدولية بهذا الشأن، وعرض المبادرات والمشاريع الحضارية والإنسانية المختلفة، وبما يضمن تعزيز الجهود لتأمين الحياة الآمنة والمستقرة للمواطنين والمقيمين والزوار، وهو ما تضعه الدولة على قمة أولوياتها وأهدافها، سعياً منها لتعزيز التعاون الأمني العالمي والتنسيق المشترك بين مختلف أجهزة الشرطة في المنطقة والعالم، بما يعزز تبادل الخبرات والاطلاع على المستجدات العالمية.
وإذا كانت الدولة بقيادتها وأبنائها لا تتمنى أن يمس السوء أحداً على أرضها، مواطناً أو مقيماً أو زائراً، إلا أن أخذ مفاجآت الأزمات والكوارث بعين الاعتبار، ينم عن وعي استراتيجي أصيل بقيمة الإنسان ولو كان احتمال تعرضه لأي مكروه بنسب ضئيلة في مثل هذه الظروف، ولذلك تبادر المؤسسات المعنية بالعمل الجاد على رفع مستـوى الجاهـزية والاستعداد للتـعامـل مع الحـوادث الكبرى والإصابات الجماعية، ومواصلة الجهود لتطوير أوجه الأداء الأمني وتعزيز مستوى التعاون والتنسيق المستمر مع دول العالم.
وليس تمنياً أو ادعاء من دون برهان إذا أكدنا أن الإمارات تعد واحدة من أكثر الدول أمناً على وجه الأرض، لأن الواقع يبرهن على ذلك، ويترجمه التقاء أكثر من مئتي جنسية متباينة الأعراق والثقافات والعقائد والتوجهات، على بقعة صغيرة نسبياً كأرض الإمارات، ثم تقول الإحصائيات العالمية إن الإمارات تحتل حالياً المرتبة الرابعة عالمياً بين أفضل عشر دول في العالم في تدني نسبة الجريمة.
وكما أشار الفريق سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، فهذه نعمة تتطلب منا جميعاً، أفراداً ومؤسسات، العمل بكل ما أوتينا من عزيمة للحفاظ عليها وضمان استمراريتها، وهي بلا شك ثمرة جهود تنصب على بناء وتطوير الإنسان، وتوفير مقومات الأمن والاستقرار كافة، وترسيخ بنى التعليم وركائز الاقتصاد، وتأصيل ثقافة المواطنة الإيجابية الصالحة.
وإذا عدنا إلى قضية الأزمات والكوارث، ولماذا ترفع الدولة مدى الجاهزية باستمرار للتعامل معها وتبادر وتستبق المفاجآت في مثل الأمور، تتضح لنا سعة الرؤية العلمية المبنية على الدراسات والأبحاث، لتقليل نتائج أي أزمة حتى لو كانت طبيعية لا يد للإنسان والدولة في حدوثها ولا في توقيتها، إلا أنها تبقى مسؤولة عن نتائجها في ضوء استعدادها لها وتقليل أخطارها.
فكما يؤكد الباحثون في علوم الأزمات والكوارث أن هذا المصطلح يضم العديد من الأبواب كالحرائق والسيول والزلازل والهزات الأرضية ومجمل الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، وهي في مجملها تأخذ حجم أضرارها من عنصرين أساسيين هما المكونان لها، أولهما هو عنصر المفاجأة الذي يطبع مثل هذه الأحداث والأزمات، لأنها لا تنذر بقدومها في الغالب الأعم، بل تأتي بغتة، وبعضها كالزلازل والهزات لم يستطع العلم حتى الآن وضع يده على التنبؤ الحقيقي بموعد حدوثها.
أما العنصر الثاني من عنصري تقدير حجم أضرار ونتائج الأزمات والكوارث، فإنه يتعلق بمدى الجاهزية والاستعداد لمثل هذه المفاجآت، فمهما كانت الجاهزية للتعامل مع الأزمات والكوارث في أعلى مستوياتها، فإن النتائج ستكون ضعيفة إذا تم التعامل مع هذه المسائل بمبدأ الأمر الواقع وردات الفعل بعد وقوع ما يقع. ومن هنا كان الحرص الإماراتي على البحث الجاد عن سبل ملء هذا الفراغ، عبر التعامل الموضوعي العلمي الناضج مع أحدث علوم هذا الشأن، وهو فن إدارة الأزمات والكوارث، وهو بلا شك من المجالات والعلوم الحيوية والمهمة، خاصة في ظل التطورات المتلاحقة والمتغيرات المفاجئة التي يشهدها العالم.
وبذلك تؤكد دولة الإمارات مرة أخرى، أن الإنسان أغلى وأهم من العمران، وهي الفلسفة الأصيلة التي قام عليها الاتحاد الميمون، وتسير على نهجها الحكومة بمختلف مؤسساتها.