عائشة سلطان
من ضمن الكم الهائل من الرسائل والإشارات الذكية التي جاءت ضمن جلسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في القمة الحكومية، قوله إنه تخلى عن أصدقاء له لأنهم كانوا سلبيين في نظرتهم وتعاطيهم مع ما حولهم، والشخص السلبي هو الذي يرى النقطة السوداء واضحة جداً لكنه يغض الطرف عن كل المساحات البيضاء المحيطة بتلك النقطة، والنقطة السوداء هنا قد ترمز للصديق السلبي كثير التذمر والشكوى قليل الرضا والامتنان، وقد تشير إلى المشكلة أو المصيبة التي قد يبتلى بها بعضنا، وقد تشير إلى بيئة العمل الصعبة والتحديات المؤلمة وغير ذلك، لكن إلى جانب كل نقطة سوداء هناك دائمـا باب مفتـوح علـى فضاء من الأمل والرحمة واليسر غالباً ما لا نراه.
كلمة الشيخ محمد بن راشد تستحق التأمل والتدبر، فالصديق السلبي إذا جلس إليك، وقضى كل الوقت يشكو ويتذمر وينوح على كل قطرة لبن مسكوب، ويلعن كل لحظة قضاها في عمله، ويتمنى الخلاص من مديره السيئ وزميله الغيور وجاره الحقود و… الخ، فإنه لن يتركك إلا وقد أفرغ كل طاقته السلبية في روحك وجسدك، وتركك غير قادر على رؤية أي بياض في أي مكان، وحدها النقاط السوداء هي ما ستتراءى لك في كل مكان، ولذلك فإن استبدال مثل هذا الصديق أو تغييره يصبح أمراً لازماً إن لم تتمكن من نقله إلى الضفة الأخرى من الحياة!
القضية ليست في منطقة عدم الوفاء للأصدقاء، ولكن في إشكالية الحياة مع أشخاص لا يجيدون شيئاً إلا التذمر والشكوى، فالحياة في كل ثنائياتها تحتمل الوجهين، وفيها من التناقضات ما نعجز عن عده اوالإحاطة به، لكنها خلقت هكذا، أضداد وثنائيات، الليل والنهار، الخير والشر، الوفاء والخيانة، العدو والصديق، الحب والكراهية، الفرح والحزن، العسر واليسر، وإلى ما لا نهاية، ببساطة لا يمكن للحياة أن تحتمل بلا ليل حتى لأولئك الذين يشتكون من الليل، ولا يمكن لأي منا أن يتصور الحياة فرحاً دائماً أو أصدقاء فقط، والذي بإمكانه أن يغير ظرفه ويعدل مسار التحديات والضغوطات التي تدفعه للشكوى فليفعل لأن ذلك افضل كثيرا واسلم للروح والعقل من الشكوى التي تسمم نهر الحياة الذي نشرب منه كل لحظة!!
نعم هناك أشخاص أدمنوا الشكوى حتى صار طبيعة ومزاجاً خاصاً لا يمكنهم تغييره كما لا يمكنك إقناعهم بالتحول عنه، فهذه هي النافذة الضيقة التي يصرون على رؤية الحياة من خلالها، هنا يكون تغيير هؤلاء أو الابتعاد عنهم ضرورة، أو منحهم فرصا حقيقية للانصات إلى وجهات نظر أخرى، أو دمجهم في جماعات ذات اهتمامات مغايرة لاهتمامهم ومجال عملهم، المهم أن يكون مزاج تلك الجماعات مختلفاً لتكون الأحاديث مختلفة والحوارات لا تتركز على أجواء العمل السلبية والمحبطة، فبيئة العمل المليئة بالتحديات والصراعات حالة عالمية في كل مكان، هكذا جبل الناس في أعمالهم على الصراع والتنافس أكثر من أي شيء آخر، فإن استطعنا التغيير فلنغير أو فلنترك العمل، أو فلنصرف نظرنا عن التركيز على النقطة السوداء ولننظر إلى البياض الكثير المحيط بتلك النقطة !
– الاتحاد