علي أبو الريش
أخرف وأغرف وأعزف وأعكف وأعطف وأعصف وأشنف وأشغف وأهتف باسمها نخلة الخلود وسر الوجود والنهل المورود والجذر الودود والحذر الممدود والستر المفنود والخبر المحمود والحبر المترامي في الوجدان والأشجان.
الاحتفاء بالنخلة هو استيفاء لواجب الوجود، وما لهذا السامق الباسق من تجذر في التاريخ وترسيخ في المعنى، ولم تنبثق جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر إلا من ثمرات الوعي الإنساني بأهمية هذه الشجرة التي ظللت التاريخ بعذوق من ذهب، ولونت الجغرافيا بخضرة الانتماء والفرح.
واليوم يرد الأوفياء الجميل لتمر النخيل ويزخرفون المكان ببذل وجذل من أجل أن تبقى الذاكرة فاعلة متفاعلة مع الحفيف الرهيف الشفيف ومن أجل أن تبقى الحياة برائحة التمر ولون المرهفات من أوراق وأنساق طالما كحلت العيون بالرونق المنمق عند الشفق والغسق، وأمضت في فضيلة العطاء بكل سخاء ورخاء ووفاء وانتماء واحتواء وانضواء يؤكد ما لهذه الصحراء البهية من حراس حفظوا السد بود وكد ونقشوا على التضاريس بخطوات أثّرت وأثرت وجدان الجيل بالمعاني الجميلة والخصال النبيلة، ورسخت على صفحات التاريخ أغنيات المخصِّب والمرطّب، والساكب في عروق النخل، أناشيد النماء الواقف على “كَرْبة” ولهفة المتسلق جبل الرحمة، المتعلق بحبل الهوى، الذاهب في أشواق الناس الطيبين، الباحث عن تمرة أو بِسرة المنقى الغدق من خشاش أو رعاش المحدق في عيون الطير متحدياً، متألقاً بالشموخ.
جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر هي نقطة آخر السطر بعبارة جهود حثيثة تبذل من أجل دفع الإرادة ودعم البحث العلمي الخاص بتطوير شجرة النخيل وتشجيع العاملين في قطاع زراعة النخيل من الباحثين والمزارعين والمنتجين والمصدرين والمؤسسات والجمعيات والهيئات المختصة.. وتكريم كل مجتهد في مجال النخيل على المستوى المحلي والعربي والدولي.. والتأكيد على مفردة النخل كجزء جوهري من الجملة الفعلية للهوية الوطنية، وما لهذه الهوية من علاقة مشيمية والتراث والعرف الإنساني على تراب وترائب هذه الأرض الطيبة.. الجائزة هي بالمعنى والمغزى، النصل والوصل والفصل والحقل والجزء والكل في حياة الإنسان، وما أشعل الذاكرة وشغل النفس على مر التاريخ، الجائزة هي الانحياز نحو مشاعر إنساننا وما استتب في مخياله الثقافي وما استقر في خلده من جمال زمن كانت النخلة فيه الأغنية والأمنية وكانت الفصول والهطول، كانت الحُلُم والحلِمُ، وكانت الحكمة المبجلة بعزف الهديل على قمم النخيل.. وقت الأصيل.
– الاتحاد