د. فاطمة الصايغ
من يراقب ما تتداوله وتنشره وسائل الاعلام المختلفة وما نسمعه مجتمعيا من جرائم بشعة ترتكب بواسطة شباب من الفئة العمرية 16 30 عاما ليصعق من هول تلك الجرائم ومن فظاعتها كون من ارتكبها فعل ذلك بدم بارد وبدون أن يرف له جفن أو يفكر لحظة في هول الجريمة المرتكبة. جرائم عنيفة هزت ضمير المجتمع بأسره خاصة وأن من ارتكبها شباب في عمر الزهور .
ولا ينقصهم شىء من مادة أو رعاية مجتمعية أو خدمات تعليمية ورياضية مختلفة. جرائم ترتكب بواسطة شباب باتوا الآن وراء القضبان، شباب عايشوا الطفرة في منطقة الخليج بكل ما فيها من ترف ورخاء ويسر وما صاحبها من متغيرات مجتمعية كثيرة وعسيرة. جرائم كبيرة ترتكب بواسطة أجساد صغيرة وعقول أصغر لم تفكر لحظة الا في إرضاء شهوة الانتقام بداخلها وإرضاء لنزوات مادية بحتة.
شباب تربوا على أيدي مربيات أجنبيات وعلى يد قنوات تلفزيونية لقنتهم العديد من القيم الغريبة، وعلى يد أفلام كرتون نقلت اليهم الكثير من العنف ومن القيم السلبية الغريبة على مجتمعاتنا، شباب تربوا على ما كانت تنقله لهم القنوات التلفزيونية والفضائيات الاجنبية من قيم سلبية متضاربة ومختلطة.
لقد حذر من عقود الكثير من الخبراء وعلماء الاجتماع كما حذرت الكثير من الأقلام الجادة التي كتبت عن الاضرار المحتملة لتلك القيم التي يتلقاها الجيل الصغير آنذاك، ولكن فعلنا القليل لنحمي ذلك الجيل من التيار الذى يجرفه. لقد اعتقدنا بأن ذلك التيار هو أقوى منا ومنهم كما اعتقدنا بأن أجيال العالم جميعها تتعرض لما كان يتعرض له جيلنا الصغير.
ولذا وقفنا متسمرين في أماكننا نراقب تلك الهجمة التي يتعرض لها الجيل الصغير ونردها الى مؤثرات عصرية عديدة لا طاقة لنا بمقاومتها؛ مؤثرات كالإعلام الموجه والعولمة والمربيات الاجنبيات وغيرها من المؤثرات ولكننا نسينا أن نلوم أنفسنا وانشغالنا بعالمنا المتغير والغارق في المادية فأصبحنا غير قادرين على انتشال أنفسنا فما بالك بانتشال غيرنا؟
وإذا كانت فترة الثمانينيات والتسعينات البسيطة مقارنة بوقتنا هذا قد أنتجت جيلا بهذه الشراسة وهذا التنمر فما بالك بجيل الألفية الثالثة؟، والذى هو في طور التشكل الأن، معرض أكثر من الجيل السابق لمؤثرات سوف تترك أثارا اجتماعية ونفسية عميقة ليس فقط عليه بل على أمن مجتمعه ومحيطه.
فهذا الجيل مرشح لأن يصبح أكثر عنفا وأكثر تنمرا من الجيل الذى سبقه خاصة وأنه يتعرض يوميا لجرعات أشد قسوة وأكثر ضراوة من الجيل الذى سبقه. لازالت نفس المؤثرات السابقة موجودة كالتفكك الأسري وتأثير المربيات الأجنبيات والإعلام الموجه.
ولكن زادت عليه مؤثرات جديدة كالفضاء المفتوح من التكنولوجيا المتنوعة كالانترنت والبلاك بيري والفيسبوك والتويتر وغيرها من المؤثرات العصرية والتي أزاحت الأسرة عن عرشها الأول ومكانها المتين وأضافت لها عبئا جديدا وتحديا خطيرا.
الجرائم التي نسمع عنها اليوم كبيرة وخطيرة ولكن الجرائم التي سوف نسمع عنها مستقبلا ربما تكون اكبر وأشد ضراوة وعنفا وخطورة، ذلك لأن الجيل الجديد اكتسب المزيد من الشراسة واستلهم المزيد من المعرفة السلبية التي تعلمها من الانترنت المتاح أمامه دون قيود كبيرة ودون مساءلة أو رقابة أسرية في الكثير من الاحيان.
من ينظر الى أطفال المدارس اليوم وطريقة تفكيرهم وسلوكهم، سوف يكون فكرة واسعة عما نتحدث عنه. فالعنف بين طلبة المدارس الحكومية والخاصة على السواء في ازدياد. والتنمر وهو ظاهرة الاعتداء اللفظي والجسدي من قبل طلاب على آخرين في زيادة متنامية، الأمر الذي يعكس خطورة ما نتحدث عنه، كما يدل على تنامي العديد من الظواهر السلبية بين أبناء الجيل الجديد. هذه الظواهر إن لم نتصد لها الآن وبحكمة، سوف تترك آثارا سلبية كثيرة على أمن الأسرة والمجتمع بأسره.
تربية الجيل الجديد وإعداده هو مسؤولية مجتمعية مشتركة بين الأسرة والدولة. فكلاهما يجب أن يساهم في تربية وإعداد الجيل الجديد لما في ذلك من حماية لأمن الأسرة والمجتمع ككل.
فلا يمكن لأولياء الأمور ترك مسؤولية تربية أبنائهم وإعدادهم وتأهيلهم للخادمة الاجنبية والتلفزيون والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ولا يمكن للدولة أن تترك مسؤولية إعداد وتربية الجيل الجديد لأسرة غارقة في أمور الحياة اليومية أو منشغلة فقط بتوفير المادة لأبنائها دون الرعاية السوية والسليمة. بالاضافة الى الأسرة السوية والدولة المتيقظة يظهر لنا أيضا دور المؤسسات المجتمعية الأخرى.
والتي يمكنها المساهمة في التوعية وفي الرعاية والتربية الصحيحة والقويمة. فلدينا مثلا، مؤسسات تنمية المجتمع والتي يجب أن تقوم بدور أكثر فعالية وقوة في دورها المنوط بها، كما لدينا المؤسسات الفكرية والثفافية ومؤسسات المجتمع المدني والتي يجب أن تقوم بدور أكثر فعالية وبرامج أكثر تشويقا لجذب الفئة العمرية الشابة حتى لا نتركها للضياع والتشتت الفكري والايديولوجي.
إن ما يعاني منه الشباب بصفة عامة هو الفراغ ومتى ما شغلنا ذلك الفراغ بقضايا نافعة ومفيدة استفدنا من تلك الطاقة الجبارة التي يملكها الشباب. ولدينا أدلة قوية على ذلك. فالناظر الى بعض مؤسسات المجتمع المدني ذات الصبغة التطوعية والتي تواكب برامجها طموحات الشباب، تكاتف مثلا، يرى واقعا مختلفا.
فإقبال الشباب على التسجيل في تلك المؤسسات كبير للغاية. لذا فيجب الاستفادة من تجارب تلك المؤسسات والتعاون معها وتشجيع التعاون بينها وبين المؤسسات الأخرى لوضع برامج توعوية وتطوعية للشباب تشملهم جميعا وتشغل أوقات فراغهم. إن أمن الشباب هو جزء لا يتجزء من أمن المجتمع ككل. فعالم شاب بدون جريمة هو مجتمع آمن وخال من الجريمة.
– البيان