مريم الساعدي
قالت صديقتي العراقية إننا يجب أن نسعى لنهضة اللغة العربية. قلت لها اللغة تابع لا متبوع، كيف تنهض لغة أمة ميتة أو توشك.
أجابتني أن الأمة العربية قوية وهي بخير.. سألتها ما هي جنسيتك؟.. قالت نيوزلندية. فلم أجد داعي لأن أزيد.
لا أريد مناكفة هؤلاء الورديين، فالكثير من العرب يرون أن الأمة العربية بخير وعافية. وأغلب هؤلاء ممن اضطر للهجرة لأصقاع الأرض الباردة ليحصل على جواز سفر يمنحه حياة كريمة في الأرض الغربية وحرية التنقل في البلاد العربية.
هؤلاء الورديون يستريحون لهذه القناعة، ولهم في ذلك عذر، فالغربة سكنت أرواحهم فيلجؤون للّغة في ذكرى الوطن. فالروح العربية لا تنتشي بعيداً عن هواء أرض العرب وأشجار النخيل وصباحات القهوة بنكهة الهيل ودعوات الجدة وسبحة الجد. ولكني أفضل رؤية الواقع مهما كان موجعا. ربما، حين نعترف أننا أمة جريحة توشك أن تموت، نسارع في البحث عن دواء علّنا نشفى وننهض من جديد بجسد صحيح معافى يتحدث بلسان عربي مبين بالضرورة. فالجسد في قوته يفخر بهويته.
كيف تنهض لغة أمّة تئنّ من الآلام، بالكاد تستطيع الحركة. كيف نقول للسان انطق لفظاً صحيحاً، انتبه لتنوين الكسر وحافظ على نون النسوة، وتاء التأنيث وجمع المذكر السالم، والجسد كله كسور لا جزء فيه سالم والنسوة بلا صوت وتاء التأنيث عورة.
قبل أن نركز على محاولات إحياء اللغة العربية، علينا أن نعمل على إحياء الجسد العربي، ونهضة الروح العربية التي أنهكها الخذلان. نحن أمة واحدة، هذه حقيقة لا مفر منها، مهما حاول بعضنا التنكر لها والانعتاق خارجاً بعد أن يئس من شعارات القومية. لكن الإنسان لا يتنكر لأمه وأبيه حين يراهم مرضى ومتناحرين. ربما هي وسيلة لإنقاذ الذات، لكنها لن تمنحه الاستقلالية التي ينشد، فمهما فعل سيظل “عربياً” بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات.
لنواجه إذاً جراح عروبتنا نضمدها ونعمل على نهضة “الإنسان” العربي. وحين ينهض هذا الإنسان، ويجد أرضاً تحضنه، وطناً يُقدّره، مستقبلاً مشرقاً ينتظره، لا همّ يأكل روحه، لا سُلطات تحارب وجوده وتخنق إبداعه وتستهلك إمكاناته الجبارة، حين لا يضطر أن يهاجر لكي “يعيش” ولكي نحترمه، حينها تنهض اللغة. لا قبل ذلك. أو هكذا أظن.
ما إن أنتهي من قراءة كتاب مكتوب بلغة عربية جميلة حتى أشعر وكأن مطراً صافياً قد هطل على روحي للتو، فغسلها وأنعشها وأزاح عنها أدران الحياة اليومية المادية الاستهلاكية. رغم دراستي للأدب الانجليزي إلا أنني أعشق اللغة العربية، أشعر فيها أني أعود لطينتي الأصلية التي شكلت وجودي، وأن لدي عائلة كبيرة تمتد على مساحات شاسعة هو الوطن العربي الأكبر. هذا الشعور بالألفة الذي تولده اللغة ما يلبث أن يختنق تحت واقع الأمة العربية الممزق المتشرذم المليء بتاريخ من الغدر والخيانات والفتن على مسرح الأخوة الأعداء.
أسأل صديقتي المصرية عن حال ابنتها الحامل. فتخبرني أنها ذهبت إلى كندا لتضع مولودها هناك ضماناً لمستقبله.
وتطالعنا الأخبار على الدوام عن قوارب الموت التي تحمل الشباب المغاربي فتغرق أحلامهم في البحار وهم يحاولون العبور للحياة بعيداً عن أرض العرب.
جميل أن نحاول الحفاظ على اللسان، لكن ماذا عن الجسد؟
نحتاج أن نعترف بالوهن لنجد العلاج بدل أن نهدر الموارد على أدوات التجميل نخفى بها أثر الجراح دون أن نداويها
– الاتحاد