علي أبو الريش

يشتكي المصلون، ويطلبون العون والصون، من أولياء أمور يصطحبون صغارهم إلى المساجد، ويتركونهم يلاحقون الخيال الطفولي بين صفوف المصلين، ما يقلق من جاؤوا متفرغين للعبادة. بعض أولياء الأمور يتحججون بتعليم وتدريب الأطفال على عماد الدين، وعلى ركن من أركان الإسلام، حتى لا يواجههم أحد بالأسئلة، وحتى لا يعترض من يعترض على اللهو والعبث بمشاعر المصلين، وممارسة ألعاب بهلوانية في بيوت الله.

نعرف كثيراً من السيدات وربات البيوت، يحببن التخلص من الإزعاج وفوضى الصغار في البيوت، ولذلك فإن عند كل فرض، وبالذات في صلاة الجمعة، فإنهن يعددن الصغار للذهاب مع الآباء، لتتفرغ كل واحدة لشأنها الخاص، إما متابعة مسلسل تلفزيوني محبب إلى قلبها أو الحديث مع جارة أو صديقة عبر الهاتف، ونعرف كم تستغرق هذه المكالمات الساخنة التي لا تُبقي ولا تذر من «سوالف» ونكات، وأخبار الدار والأسرار التي لا يمكن البوح بها أمام الصغار. وآباء يفتخرون باصطحاب الألباب الخضراء، والدخول معهم المساجد تعبيراً عن الالتزام بمطالب الزوجات ورغبات الصغار. ولا يدري هؤلاء أنهم بهذا التصرف يُسيئون للدين، ويزعجون المصلين، ويحولون المساجد إلى ساحات تتناثر فيها الصيحات والزعيق كصفير الريح عبر النوافذ المواربة.

نقول: إذا كان لابد من صحبة الصغار إلى المساجد، فإنه قبل تعليمهم الركوع والسجود، الواجب تعليمهم آداب الإسلام، وأخلاق دخول المساجد، فالتربية قبل التعليم، لأنها تعلم السلوك القويم، وتنشئ جيلاً طيب الأعراق، لا يزل ولا يخل، ويكبر وفي قلبه قاموس المحيط الأخلاقي، وفي عقله شريعة القيم العالية، التي تمنعه وتردعه من ارتكاب الخطأ.

فاستسهال عبث الصغار في بيوت الله، بينما في أذهانهم العدمية واللامبالاة عند الكبر، وعند التعامل مع المجتمع سواء في الدراسة أو العمل أو مجالس الرجال غير مقبول. والغريب في الأمر أن بعض الآباء يسوقون صغارهم إلى المساجد وهم لم يبلغوا الثالثة من العمر، ويعرف هؤلاء الآباء أن في مثل هذه السن لا يمكن للطفل أن يسيطر على الحالات اللا إرادية في جسمه، ما يضطره إلى التصرف في هذه الظروف وكأنه يختبئ بين يدي أمه أو «مربيته» التي تقوم بتغيير ما يجب تغييره. المساجد لله، فاحترموا منازل من أناط بكم دخولها، واحفظوها من كل ما يقلق ويثير الصداع للآخرين، الذين يشاطرونكم العبادة، والذين جاؤوا لتقضية زمن خارج إطار الدنيا وحاجاتها ومقتضياتها.