تلج مصر اليومَ منعطفاً تاريخياً يحبس أنفاسَ المشهد المأزوم بكل مكوّناته، فيما ترتعد أوصال الخارج من نشوب أزمة تسيل الدماء في الشوارع والأرصفة، إذ يستعد الملايين نزول الميادين بمطلب واحد: «إسقاط الرئيس واستعادة الثورة» متأبطين 22 مليون توقيع لسحب الثقة والعودة لصناديق الاقتراع في انتخابات مبكّرة، بينما يتوثّب الإسلاميون لنصرة مشروع وحماية شرعية يسمّوها «خطّاً أحمر» أبرز نتائج تجاوزه دماً يسيل على الطرقات، وبينهما جيش أطلق مبكّراً خارطة طريق التعامل مع «الخروج عن النص» بما أسماه التدخّل منعاً لانزلاق البلاد إلى «مستنقع العنف».
وفرض الهدوء نفسه على ميدان التحرير قبيل ساعات قلائل من زلزال اليوم، وفيما أغلق المتظاهرون كل المداخل إلى الميدان باستثناء ناحية المتحف المصري، تزايد عدد الخيام المنصوبة إلى نحو 150 وسط غياب كامل لقوى الأمن وانتشار كبير للباعة الجائلين وتجار الأعلام والكروت الحمراء التي تنتظر الإشهار في وجه مرسي.
على الصعيد، تكاثر عدد الخيام المنصوبة أمام القصر الرئاسي إلى 18، فضلاً عن منصّة كبرى قبالة الباب «4» وتعليق لافتات تعبّر عن المطالب تؤكّد العصيان، بينما ما يزال اعتصام وزارة الدفاع يراوح مكانه مُكملاً أسبوعه الأول.
على الضفّة الأخرى، يستمر اعتصام القوى والتيّارات الإسلامية في محيط ميدان ومسجد رابعة العدوية، والذي دُشّن عقب انتهاء مليونية «الشرعية خط أحمر» وإلى حين تفرّق سامر تظاهرات اليوم عبر عشرات الخيام.
22 مليون توقيع
وفي تطوّر جديد ربما يزيد من لهيب الاحتجاجات على مرسي، أعلنت حملة «تمرّد» أمس أنّ عدد الموقّعين على توكيلات تطالب سحب الثقة من الرئيس المصري محمد مرسي تجاوز 22 مليوناً، مشيراً إلى أنّ «التوقيعات لن يكون لها قيمة كبيرة دون تظاهرات واعتصامات وعصيان مدني يحميها».
وأكّد منسّق الحملة محمود بدر في مؤتمر صحافي عقد بمقر نقابة الصحافيين بوسط القاهرة، أنّ «عدد المصريين الموقِّعين على توكيلات تطالب بسحب الثقة من الرئيس المصري محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بلغ 22134465 مواطنا»، داعياً كل الموقعين على استمارات «تمرُّد» إلى التظاهر اليوم في ميدان التحرير بالقاهرة وكل ميادين التحرير في كل أنحاء مصر حتى إسقاط النظام ورحيل مرسي عن السلطة، مشدّداً على أنّ «تظاهرات اليوم ليست ثورة جديدة ولكنها استكمال لثورة 25 يناير».
سقوط شرعية
وشدّد بدر على أنّ «مرسى لم يعد الرئيس الشرعي للبلاد»، مردفاً: «نعلن باسم الملايين أنّنا ندعو الجمعية العمومية للشعب المصري للانعقاد البوم في ميدان التحرير و قصر الاتحادية وفى كل ميادين المحافظات لإعلان سحب الثقة من الرئيس مرسى والدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة لتنتقل السلطة إلى المحكمة الدستورية بصلاحيات محدّدة».
وطالبت «تمرّد» في بيانها أن يتولى الحكومة شخصية سياسة محل توافق، فيما تؤول مسؤولية شؤون الحدود والأمن القومي والشؤون العسكرية مجلس الدفاع الوطني، مؤكّدة على التزامها بالسلمية باعتبار أنّ «الثورة تستمد قوتها من السلمية»، داعية في الوقت نفسه مؤسسات الدولة الانحياز للإرادة الشعبية.
مؤامرة ضد رئيس
في المقابل، أشار نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين رشاد بيومي، أنّ «الجماعة ترفض رفضا تاماً مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة، مضيفاً: «إذا انحاز الجيش لهذا المطلب فلكل حادث حديث ونتمنى أن تأني مصر عن أي سبب لإراقة الدماء».
وشدّد بيومي في حوار صحافي نشر أمس على أنّ «السبيل الوحيد لحل الأزمة الراهنة يتمثّل في جلوس الكل على طاولة الحوار، مستطرداً: «الصراع الآن بين الإسلام والعلمانية وأميركا تشارك في المؤامرة على الرئيس محمد مرسي بكل قواها».
تنقّل رئيس
في السياق، كشفت مصادر مطّلعة أمس أنّ الرئيس مرسي وأسرته انتقلوا، إلى دار الحرس الجمهوري للإقامة فيه أياماً بعيداً عن تظاهرات ٣٠ يونيو التي ستتوجه إلى قصر الرئاسي.
وأشارت المصادر إلى أنّ «قرار نقل مقر إقامة الرئيس جاء بدافع الحرص على تأمينه وأسرته، في ظل صعوبة تنفيذ المهمة في مقر الإقامة الحالي بضاحية التجمّع الخامس، مبيّنة أنّ مرسي لم يبت في منزله ليلتين اثنتين إذ توجّه بعد خطابه بقاعة المؤتمرات الأربعاء الماضي إلى قصر القبة ولم يغادره إلّا عصر ألو من أمس متوجّها إلى دار الحرس الجمهوري.
وأكّدت المصادر ذاتها أنّه «تمّ إغلاق قصر الاتحادية وتحصينه استعدادا للتظاهرات»، لافتة إلى أنّه «تقرّر نقل الموظفين والسكرتارية إلى مبنى قديم تابع للرئاسة بجوار دار الحرس الجمهوري».
استقالات نواب
من جهتهم، أعلن عدد من أعضاء مجلس الشورى المصري المنتمين للتيّار المدني استقالتهم من المجلس أمس دعماً للتظاهرات المعارضة للرئيس مرسي اليوم.
وأكّد رئيس مجلس الشورى أحمد فهمي في بيان، أنّ «ثمانية من أعضاء المجلس استقالوا من المجلس وقدّم لهم الشكر في حين أعلن عدد آخر استقالته ولم تقبل بعد رسميا».
إبعاد مساجد
بدورها، دعت وزارة الأوقاف إلى عدم الزج بالمساجد في أي صراعات سياسية، مطالبة بالتصدي لأي تجاوز ضد المساجد.
وناشدت الوزارة في بيان أصدره الناطق باسمها الشيخ سلامة عبد القوي أمس، المصريين الحفاظ على حُرمة المساجد والوقوف في وجه أي اعتداءات أو تجاوزات ترتكب في حقها أو الزج بها في خلافات أو صراعات سياسية، مضيفة أنّ «كل من يلوذ بالمسجد للاحتماء به من اعتداء أو ترويع فهو آمن لأنه يصبح في حماية الله لا يجوز الاعتداء عليه أو إرهابه بمحاصرة المسجد وتحويله إلى ساحة للعراك والصدام واستباحة الدماء»، مشدِّدة على أنّه «لا يجوز لأي سبب انتهاك قدسيتها وإفساد على روادها سكينتهم وصفائهم الروحاني وقطع صلتهم بالله».
مغادرة سياح
أجبر الهلع مئات من السياح الأجانب على مغادرة مدينة الأقصر إلى بلادهم قبل بدء تظاهرات اليوم، إذ ازدحمت مستشفيات وجمعيات الرفق بالحيوان في الأقصر بحيواناتهم الأليفة التي أودعوها الجمعيات قبيل المغادرة .
وكشفت مصادر في غرفة شركات السياحة في الأقصر عن توقّف رحلات اليوم الواحد القادمة من الغردقة لزيارة آثار الأقصر لحين انتهاء التظاهرات، وانخفض عدد زوار المناطق الأثرية في الأقصر إلى نسب غير مسبوقة.
بدورها، أعلنت بعض الفنادق والمحلات والمطاعم الكبرى عن إغلاق أبوابها خلال التظاهرات على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة التي تشهدها الأقصر وتأكيدات منظمي التظاهرات في المدينة عن سلمية التظاهرات ونبذ العنف وتشكيل لجان شعبية للمشاركة في تأمين المناطق الثرية والكنائس والمنشآت الحيوية.
كادر 2
تأمين مطارات
أعلن وزير الطيران المدني المصري المهندس وائل المعداوى، أنّ «كل مطارات مصر مؤمّنة بالكامل طوال 24 ساعة في إطار الخطط الأمنية المخصّصة للتعامل مع أية حوادث طارئة وفى أي وقت».
وكشف المعداوي في تصريحات صحافية أمس عن انتظام حركة رحلات المغادرة والوصول، مشيراً إلى أنّ «المطارات في مصر مؤمّنة ومجهّزة بخطط تأمين لمواجهة أي أحداث ربما تطرأ خلال الفترة المقبلة»، مبيّناً أنّ «جميع العاملين بالمطارات على أتم استعداد ومدربين على مواجهة الأزمات وأنّ حركة الطيران طبيعية ولم تتأثر بأي أحداث تمر بها البلاد حتى الآن».
بدورها، سكّنت شركة مصر للطيران أمس العشرات من أطقهما الطيارين والضيافة والمهندسين في أحد الفنادق القريبة من المطار تحسّبا لتداعيات تظاهرات اليوم وقطع الطرق أو وجود تكدّس مرورى يمنعهم من الوصول للمطار وذلك حتى لا تتوقف الرحلات
– البيان ووكالات