د.موزة أحمد راشد العبار
إذا الشـــعبُ يومــاً أراد الحيــاة * فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي * ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
لقد تابع الرأي العام بقلق شديد في الآونة الأخيرة من حكم الإخوان لمصر الأوضاع المتردية والإخفاقات الشديدة في كل قطاعات الدولة المصرية، وقد تراكمت الأخطاء وتوجت بانتهاج سياسات وتصرفات محاباة الأهل والعشيرة على حساب الشعب والأمة، يفرقون بها بين من هم معهم ومن هم ضدهم.
على طوال الـ 85 عاماً الماضية، ظل حُلم السلطة يُراود جماعة الإخوان، من أجل تنفيذ المشروع الإسلامي وفق طرحهم ورؤيتهم له في المنطقة، وهو المشروع الذي لا يعترف بحدود دول، وسعياً نحو ذلك الهدف تعمدوا نشر خلايا الجماعة في جميع البلدان العربية والأجنبية ليُشكلوا قاعدة وشعبية لهم، تضمن تحقيق ذلك المشروع، وبعد أن تحقّق حُلم الوصول إلى السلطة في مصر، حاول التنظيم الإخواني اتخاذها نقطة الانطلاق نحو تحقيق ذلك المشروع الذي وجدت له مؤيدين كثر من قوى وفصائل الإسلام السياسي.
وعقب مرور عام كامل، اتضحت خلاله معلومات أولية عن ذلك المشروع، لم يسعف الوقت كثيراً التنظيم الإخواني لتنفيذه على أرض الواقع، لاسيّما أن الشعب المصري رفض سياسة وفلسفة الإخوان في الحكم، ووجدوهم في صورة أسوأ من صورة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، فضلاً عن فشل الإخوان كذلك في علاقتهم بدول الخليج العربي.
بعد خروج الحشود الهائلة التي تدفقت إلى الشوارع والميادين في 30 يونيو رافضة حكم الإخوان، والتي وصفت من خلال وكالات الأنباء العالمية وجميع المواقع الإلكترونية بأن هذا الحشد يعد من أكبر الحشود الإنسانية التي تخرج لتنادي بالديمقراطية، رافضة بشدة سلوك حكومة جماعة الإخوان ولجوئها للعنف والانفراد بالحكم لفصيل معين.
المحتجون الذين خرجوا بهذا العدد الهائل يشكلون مزيجاً من الناس الغاضبين الرافضين لحكم الإخوان، ولقد خرجت هذه الجموع من البشر والتي ليست لديهم أيديولوجية واحدة أو سياسة واحدة لتوحدهم وراء غضبهم في ظل الوضع الراهن في البلاد. إنهم مزيج من الليبراليين، وداعمي مرسي المصابين بخيبة أمل، وبعض الذين يتوقون إلى الثوابت القديمة. وقد لعبت بعض القنوات الفضائية الخاصة ورجال الإعلام الوطنيين مع حركة “تمرد” دوراً بارزاً في توعية الشعب للخروج بكثرة حتى لا يستهان بقلتهم، وكانوا السبب الرئيسي وراء تدفق الغضب الهائل أخيراً.
“تمرد” لا يمكن تسميتها بحزب سياسي، فالحركة ليس لديها بيان تأسيسي، ولا أيديولوجية أو زعيم، لكن لديها روح قوية وتنظيم فعّال مؤثر كما أثبتت الطريقة التي جمعت بها 22 مليون توقيع على عريضة بأرقام هويات تم فحصها مقابل السجلات الانتخابية. والعريضة التي أطلقتها “تمرد” هي في صلب الاحتجاجات المناوئة لمرسي أخيراً. وتركز على مطالب مثل استعادة الأمن، والوقوف إلى جانب الفقراء والمحرومين، والمطالبة بالعدالة والقصاص للشهداء، واستعادة كرامة مصر وشعبها، وإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار.
بعد الإعلان عن سقوط حكم الإخوان في مصر، بعث صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، برقيتي تهنئة إلى المستشار عدلي منصور بعد أدائه اليمين رئيساً مؤقتاً لمصر خلال الفترة الانتقالية. وقام وفد رفيع المستوى من دولة الإمارات بزيارة إلى مصر.
لقد شن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عدة حملات على الإمارات، لم تكن في جوهرها تهدف إلى المساس بالإمارات وحدها، بل كان هدفها الأول والأكبر ضرب العلاقات التاريخية بين الإمارات ومصر، وتهيأ لها أن هذه الحملات بدأت تؤتي ثمارها، إلا أن فشلها النهائي جاء على مستويين متوازيين، المستوى الأول هو المستوى الشعبي من الطرفين الإماراتي والمصري الذي لم ينجرف عاطفياً وراء المحاولات السافرة لاستفزاز مشاعر الطرفين واستجرار مواقف عدائية من مصر باتجاه الإمارات أو العكس، ورأينا في عز الأزمة كيف وقف مصريون يدافعون عن الإمارات، غير مهابين من الإجراءات الانتقامية التي قد يتخذها بحقهم أذناب الإخوان في مصر.
أما المستوى الثاني الرسمي المتمثل في القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وسائر المسؤولين الإماراتيين الحريصين على عمق العلاقات بين البلدين بألا تهزها رياح الفتنة العابرة ولا تؤثر فيها الحملات المسمومة، انطلاقاً من النهج الذي أرساه الراحل الكبير، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والذي كان لمصر مكانة كبيرة في قلبه ووجدانه وفكره، لإدراكه بأن مصر تشكل القلب النابض للعالم العربي.
زيارة الوفد الإماراتي الرفيع المستوى برئاسة سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، تأتي لتؤكد هذه الرسالة وتلك العلاقات التاريخية، ولتعيد إلى صدارة المشهد السياسي عمق العلاقة الجامعة بين البلدين لاسيما وأن وفد الإمارات هو أول وفد رسمي عربي يزور القاهرة بعد 30 يونيو واسترداد مصر من قبضة الإخوان المسلمين.
– البيان