د خالد الخاجة
يأتي شهر رمضان بنفحاته الطيبة، التي تغمر القلب سعادة والنفس رضى، لأنه من مواسم الطاعة التي يجدد فيها الفرد إيمانه، الذي يزيد وينقص، كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه فرصه لشحذ الهمة ومحاسبة النفس؛ والرسول الكريم يقول “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم”.
ويبدأ الفرد في توسيع دائرة النظر قليلاً لتضم من حوله من البشر، ليمد لهم يد العون والنظر إليهم بعين العطف؛ “فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط” فكيف هو الحال في رمضان!
إذا كان هذا الشعور يغلب على الفرد فلا يمكن أن ينفذه دون توافر بيئة مواتية وعوامل دافعة لفعل الخيرات، وفي تقديري أن رمضان الإمارات هو مدرسة للعطاء الذي تجد آثاره أينما تولي وجهك، وواحة للخيرات يقتدى بها على مدار تاريخها.
وملامح تلك الخيرات والنفحات الروحية عديدة، منها ذلك التواصل المستمر بين القيادة وأبناء الشعب بمختلف قطاعاته والمقيمين على أرضها، امتداداً لسياسة الباب المفتوح التي أرساها المؤسسون وسار على دربهم الخلف، تعبيراً عن اللحمة الوطنية لأبناء الشعب وقيادته، وتؤكد إن اتحاد الإمارات لم يكن اتحاداً جغرافياً فحسب، بل إن اتحاد أبناء الإمارات الفكري والروحي قيادة وشعباً سبق وفرض الاتحاد المكاني والجغرافي، فصاروا حراسه والقائمين على تقوية لحمته يوماً بعد يوم، ويظهر معدنهم الصلب عند مواجهة التحديات للسير بسفينة الوطن إلى بر الأمان في ظل عالم مضطرب ومرتبك.
ولا شك أن هذه الحالة من السلام الاجتماعي التي تسود في ربوع الوطن، كان لا بد أن تنعكس وتمتد إلى أبناء أمتنا العربية وهي محيطنا الأقرب، بل وعلى البشر من حولنا بغض النظر عن جنسيتهم أو دينهم “ففاقد الشيء لا يعطيه”.
آية ذلك توجيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، بإطلاق هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لحملة “مصر في قلوبنا” لدعم ومساعدة الشعب المصري الشقيق، والوقوف إلى جانبه في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها، ودعوة الخيرين من أبناء الوطن والمقيمين للمساهمة في تلبية احتياجات الشعب المصري الشقيق، الذي ظل على الدوام بجانب أشقائه العرب في محنهم وأزماتهم، ولم يتأخر يوماً في تلبية نداءات الواجب لجيرانه.
والإمارات وقد اختارت لنفسها هذا الدور، ليس من باب المن ولكن اقتداءً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، ومن منطلق واجبها نحو أبناء أمتها في العروبة أو الإنسانية، في عالم زالت فيه المسافات والحدود بين البشر، وهو ما أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حين قال “أصبحنا قدوة في العديد من الميادين لأشقائنا العرب، ونحن نفتح الأبواب لهم كي يستفيدوا من تجاربنا الناجحة”.
ولا شك أن حملة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لكسوة مليون طفل محروم حول العالم، والتي ستستمر حتى التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، والذي يتوافق مع “يوم العمل الإنساني الإماراتي” في ذكرى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – وهي الحملة التي تأتي في السياق الطبيعي لدور الإمارات إقليمياً وعالمياً، ولتمثل رأس الحربة لإطلاق الصوت مدوياً، للفت أنظار القاصي والداني في كل أنحاء العالم بمؤسساته وهيئاته الرسمية والأهلية، إلى كيفية تحويل الاهتمام بالطفولة إلى واقع عملي يغير من واقع الملايين الذين يعانون من العوز والحاجة، بعيداً عن المؤتمرات التي تعقد ثم تنفض ويذهب كل إلى حال سبيله، كما أنها تطلق صيحة مدوية بأن توفير الحماية للطفل ورعايته هو الذي ينتج أجيالاً لديها لياقة نفسية، وأن الاهتمام بالأطفال في صغرهم يرسم خريطة مستقبل البشرية، أما غير ذلك فإنه يمثل مرتعاً خصباً لنمو جيل يحمل كل الأمراض الاجتماعية والنفسية بعد أن يكون شب عن الطوق، ولن نتمكن من علاج ذلك بسهولة بعد أن يكون اتسع الخرق على الراقع.
ومن يتابع ظاهرة أطفال الشوارع في بعض من البلاد العربية، يدرك أهمية مد كل سبل العون لانتشالهم من هذا المستنقع الخطير.
وفي تقديري أن حملة كسوة مليون طفل محروم حول العالم، هي تطبيق عملي لأنفسنا وأولادنا ليعرفوا حقيقة ديننا الحنيف الوسطي السمح، الذي يؤكد أن من أعظم القربات إلى الله سبحانه وتعالى إدخال السعادة على قلوب الغير، وأن المال مال الله ونحن مستخلفون فيه، كما أن من ينفقه في سبيله يخلف الله عليه ويبارك له فيه، هذا هو ديننا الذي نعرفه والذي يجب أن نعلمه لأولادنا.
ولأن السلوك السوي وفعل الخيرات ينتشر بين أبناء المجتمع الواحد عبر المحاكاة والتنافس في فعل الخير، فإن إسهامات الأفراد والمؤسسات الحكومية والأهلية والخيرية في هذه الحملة، هو تعويد للنفس على البذل والعطاء، ودروس عملية لأبنائنا في النظر إلى من حولهم والبذل لهم عن طيب نفس، ((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون))، وشكر لله سبحانه على ما أفاض علينا بهم من نعم، وهو القائل في محكم التنزيل ((وَلَئن شَكرتُم لأزيدنّكُم))، لأن دوام النعمة بشكرها.
إن هذه المبادرات الخيرة، التي يتفاعل معها بإيجابية الخيرون من أبناء الوطن والمقيمون، فضلاً عن باقي أوجه الخير والتي باتت محطات مميزة للشهر الفضيل في الإمارات، منها المجالس الرمضانية، التي تضم نخبة من الدعاة ورجال الدين الذين ينشرون الفهم الصحيح لديننا، وجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم التي يتنافس عليها حفظة القرآن الكريم من شتى بقاع الأرض وهي الأكبر والأشهر، وأصوات المآذن التي تصدح بعذب الكلام وأطيبه من مشاهير القراء وأمهرهم حيثما كنت.. كل ذلك شاهد على أن رمضان الإمارات دائماً واحة للخيرات
* البيان