مريم الساعدي

إلى سيدنا، أبينا، مهجة القلب، شيخنا زايد، منذ يومين مرت ذكرى وفاتك، هل تعلم يا سيدي، يا أبي، أننا ما زلنا نبكي في كل مرة تمر علينا هذه الذكرى وكأنها حدثت بالأمس؟ في كل مرة نستعيد المشهد بأكمله؛ كل واحد فينا يتذكر أين كان وماذا كان يفعل في اللحظة التي جاء فيها النبأ.. وأي نبأ.

هل تعلم أنهم حين حملوا نعشك قد حملوا أرواحنا معك؟ وأنهم حين واروك التراب قد واروا جزءاً من أرواحنا معك؟. لقد تكسرت أرواحنا أمام خبر رحيلك، تكسرت حتى صارت شظايا، هل تعلم كم نحبك؟ تمنينا في تلك اللحظة لو يملك الإنسان أن يفتدي من يحب. فكم روح كانت ستفتديك؟

كان رمضان، وقد انتهينا للتو من الإفطار، لم نكن نعلم أننا نوشك على اختبار نوع جديد من الحزن، حين نقل إلينا المذيع وهو يغالب دموعه خبر رحيلك.

بعضنا ظل صامتاً، أخذته الصدمة. لم نعتد على أن توجد هكذا عبارة في اللغة. لم نعتقد أن اللغة يمكن أن تحتمل هكذا عبارة. الموت حق، ولكنك زايد، ولم نكن نتخيل أن تمر علينا أيام الحياة وأنت لست فيها، شهدنا معك البدايات كلها. كنت منا قريباً، أشعرتنا أنك تعرفنا جميعاً بشكل شخصي، صغيرنا وكبيرنا، قريبون أو بعيدون، كل واحد فينا شعر أنك والده وحده، وهكذا أحجية المحبة حين تسكن قلباً عامراً كقلبك فإنها تسع وطنا بأكمله. في اليوم التالي لرحيلك، كان كل واحد فينا يسير بقلبِ يتيم.

هل تعلم أننا نقتات على صورك؟، نبحث عن تلك الصور التي كنت تلوح لنا بيدك فيها محيياً، عن ابتساماتك الجميلة، عن صورك وأنت تداعب أطفالك وأطفال المواطنين، وننقب عن أشرطة الفيديو التي تظهر فيها متفقداً المواطنين مطمئناً على أحوالهم وجولاتك في أنحاء الوطن. ما زلنا نتداول الشريط الذي استهجنت فيه أن تعرف أن هناك مواطناً يسكن بالإيجار. وذاك الذي تطلب من النساء فيه أن يشاركن في بناء الوطن جنباً إلى جنب مع الرجل من دون تردد، والآخر الذي تتحدث فيه عن الأخوة والعدالة والتسامح والمحبة الإنسانية، ونتداول مآثرك وما قيل عن إنسانيتك وروحك العالية الي لم تلن أمام أي تحدٍ. فهل مثلك حاكم؟.

نحن نشكر التكنولوجيا التي تحتفظ لنا بأرشيف حياتك. وتجعلنا نراك أمامنا تسير وتتحدث وتضحك. من قال إن الصورة لا تريح القلب؟

هل تعلم أننا نستلهم من حياتك معاني حياتنا؟ إذا ما أساء إلينا أحد نتذكر كم كنت تسامح، وحين نستعظم البدء في مشروع نتذكر أنك استلمت هذه الأرض صحراء قاحلة فحوّلتها، ببعد نظرك وفكرك الوحدوي، لمدن متكاملة ودولة حديثة همّها رفعة الإنسان وكرامة المواطن، حتى صارت دولة ذات قيمة خاصة تسير بقوة المحبة في عالم تحكمه وتتحكم فيه لغة المصالح. هل تعلم أن نخلة المحبة التي زرعتها في العالم قد أثمرت وأينعت وما زالت تطرح رطباً جنياً؟؛ إنهم حين يعرفون أننا أبناؤك في الخارج يقولون: «رحم الله زايد»، فهم يتذكرونك بمجرد ذكرنا اسم الإمارات. إنهم يقرؤونك السلام، ويبلغونك المحبة.

نريد أن تعلم أننا سنبقى على عهدك، ولن نخون إرثك ما حيينا. وسنظل نقتفي رائحتك في أبنائك، في ملامح وجوههم التي تشبهك، وأرواحهم المعلقة بك وخطاهم السائرة على دربك. وسنظل نعزي أنفسنا بأن من كان مثلك، يا شيخنا الغالي، سيبقى في القلب حي لا يموت.

لك المحبة والوفاء وعلى روحك الرحمة

– الاتحاد