علي أبو الريش
في رمضان تتشابه حياة الناس وتختلف، يتشابهون في الصيام عن الطعام ويختلفون في الكلام، وجوه عابسة مكفهرة، وأخرى باسمة مسفرة، عندما تدخل دائرة أو مؤسسة أو وزارة لقضاء خدمة ويقابلك أحدهم بوجه أشبه بحصير ضربته الشمس القائظة، تشعر بالانقباض، ويتأكد لك للوهلة الأولى أنك ستعود إلى حيث جئت خاوي الوفاض، ولأول نظرة تفكر بالمغادرة والرجوع إلى سيارتك التي تركتها تحت لظى الشمس، وتفضل أن تشوي جسدك بحرارة جلد المقعد اللاهب ولا تجلس في مكتب الرجل المكتئب حتى ثانية واحدة، لأنك على يقين أن ما جئت من أجله لن يتحقق لأن الرجل المقابل لك متثائب، متكالب على نسيان وظيفته، وليس لديه أي استعداد أن ينجز عملاً ما في يوم رمضان لماذا؟ لأنه صائم.
وآخر تدخل مكتبه وتشم رائحة عبق تفوح في أرجاء المكان، ممتزجة بابتسامته المشرقة ووجنته المتألقة بنور رباني غسلت وجهه بالماء الصافي والبَرَد، تشعر بالسعادة، وتتسلل إلى صدرك نسائم رمضانية تعيد إليك روحك بعد ضياع في الصيف الرمضاني الحارق، تجلس ويشيعك الرجل بنظرة يشع منها الفرح ويقول.. تفضل.. آمر.. أنا في خدمتك.. تهفو روحك وكأنها جناح طائر يرفرف على غصن شجرة سامقة، وينبض قلبك كدقات ساعة محكمة التوقيت، تقدم أوراقك بثقة، يأخذها وينكب على قراءتها ثم يرفع بصره مشفوعاً بابتسامة عريضة قائلاً: حاضر سيدي، الموضوع سهل، راجع المكتب غداً وسيكون كل شيء على ما يرام، ثم يؤكد لا تقلق نحن في خدمتك.. تقف مبتهلاً، تشكره وتغادر المكتب بصدر منشرح وبتفاؤل يملأ روحك وكيانك، ويتأكد لك أن الناس أجناس، وأن رمضان الذي يُخسف ببعض القلوب فإنه يملأ قلوباً كثيرة بإيمان وأمان واطمئنان.. وتثق جيداً أن في رمضان لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور، الصدور الضيقة والأضيق من ثقب إبرة، لا تتحمل فكرة الساعات الرمضانية، فلذا تعبس وتتحسس من أي زائر وتقضي نهار الدوام الوظيفي بفقدان الأخلاق والقيم.. رمضان كريم، ولكن البعض يتسلل إلى قلوبهم مرض اسمه اليأس والبؤس، فيغالطون أنفسهم فيغلطون ويغلظون ولا يستطيعون تحقيق المعاني السامية لهذا الشهر الكريم.. فحياة بعض الناس في رمضان تنقلب من سلوك العطاء إلى سلوك اختفاء خلف تجاعيد الجباه وتعقيد الحواجب وإغماضة العيون التي لم تزل تغالب نومها بعد سهرات طويلة أمام شاشات الفضائيات.. حياة الناس أجناس في هذا الشهر؛ لأن البعض يفضلها تأجيل عمل اليوم إلى ما بعد الغد وإلى تحويل رمضان إلى صيام عن العمل، وعن الالتزام بالأخلاق الإسلامية.
– الاتحاد