د. عبدالله محمد المطوع
هل من الممكن أن يعاد بالزمن إلى الوراء؟ أم أن ذلك غير ممكن ومن المحال إعادة عقارب الساعة للوراء، وما هي الدوافع التي تدفعنا للهروب من حاضرنا إلى الماضي؟ أهي الهروب من الواقع وما نشاهده يومياً من هدر في الأرواح وربما تشتيت وتجزئة لما هو موحد ومتماسك ومنسجم؟ وهل من المعقول أن الماضي أفضل من الحاضر أم أنه نتيجة لذلك وأن ما نحصده في حاضرنا الحالي هو حصاد ما زرعناه في أيامنا وأعوامنا الماضية؟
إن معالجة الخلل والإرباك والتمزق، يتطلب أولاً معرفة الأسباب سواءً المباشرة أو غير مباشرة، واستخدام أسلوب التفكيك إلى جزئيات بسيطة، وفحص كل جزئية على حدة، مما يساعد على وضع العلاج، حيث أن من أخطر الأمراض التي نعاني منها في مجتمعاتنا العربية هي التشخيص على العموم وأخذ الأمور بنظرة فوقية دون التمعن في التفاصيل والجزئيات الصغيرة، يجب أن يدقق كل محلل ومفكر وكاتب .
فيما يقول ويكتب جيدا، فكم من كلمات هدمت شعوبا وكم منها من بنى أمجاد وعظمة الشعوب، وفي هذا المجال يتحول الكاتب إلى طبيب بشري، يستخدم كل ما وصل إليه الطب الحديث، ألم يكن لكل شيء سبب وعلى الإنسان أن يدرك ذلك، ولكن بصورة دقيقة وعميقة بعيداً عن العواطف والمشاعر وإدراكاً أن العملية التراكمية هي بداية المعرفة، ممكن أن توصلنا لحقائق كثيرة تفيدنا في معرفة العالم الذي يدور حولنا، وهذا لا خلاف عليه إلا ما ندر.
ما يحدث الآن في منطقتنا العربية وفي العالم، هو بداية لمرحلة جديدة تواكب كل المتغيرات سواءً على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وللأسف الشديد أننا نحن العرب مازلنا نجلس في مواقع المتفرجين، حيث أننا لا نساهم في خلق الأحداث، بل أننا متابعون لما يجري.
ولقد تم التغيير في أكثر من مكان في المجتمعات العربية، سواءً بسرعة البرق والضوء والصوت إما بالتدريج غير الملموس أو ببطء شديد إلا أنه في كل الحالات تغيير، ولم يعد هنالك مجال لوقفه، وهذه الحالة شبيهة لما يجري في جسم الإنسان من موت خلايا وإحلال غيرها بشكل متناسق ومن دون آثار جانبية.
وهذا قد يذكرنا بالمركز والمحيط، وللتذكير فهذه نظرية كانت سائدة في القرن الماضي ودارت حولها العديد من الدراسات والأبحاث والمؤتمرات ولم يتفق حولها الكثير من بين المتابعين للموضوع، وقام كل فريق بالاستعانة بأدواته سواء الجديدة أو القديمة.
ولعل الكثير من المشاكل التي يعاني منها بعض الدول في ما يسمى سابقاً بالعالم الثالث هي من نتائج تلك المرحلة البائسة من تاريخ الشعوب.
لكن هذا جزء من الجدل من دون فائدة أو نتيجة فإن التقوقع حول الذات وحول السائد لم يعد يجدي الآن في عالم منفتح ومتصل ببعضه البعض، عالم باتت فيه الدول الكبيرة مهددة بالتفتت والزوال، ولم تعد التكتلات بين عدة دول سارية المفعول، بل عدنا إلى تصيد الأخطاء وربما خلق أجواء لتأكيد التشتت وتثبيت جدران تفصل بين أبناء الوطن الواحد.
وقد تساهم بعض الأنظمة السياسية على ذلك وبعض الأحزاب السياسية سواءً ذات التوجه المضاد لوحدة الشعوب وبناء الأوطان، وما يمكن أن يطلق عليه الإسلام السياسي أو بعض القوى القومية الرجعية وحتى التقدمية في هذا الزمن.
لقد آن الأوان لعقد لقاءات فكرية من دون إعداد أوراق أو بحوث أو دراسات لمناقشة الأوضاع سواء الاقتصادي أو الاجتماعي والسياسي ويشارك فيها العديد من الأفراد همهم إدراك ما هو قائم وما هي أسبابه ونتائجه من دون أحكام مسبقة أو تكتلات بين هذا وذاك.
فكر وتوجهات الإسلام السياسي يتناقض مع تركيبة الشخصية العربية و الإسلامية في الوقت الراهن.
لم تعد الشعوب العربية بحاجة إلى مرشدين وأعضاء أو قيادات همهم الأساسي التلاعب بمشاعر الناس وطموحاتهم الحياتية واستغلالهم كسلالم للوصول إلى أهدافهم.
لقد انتهى زمن صكوك الغفران والبراءة ومن دون عودة، ولم يعد من الممكن إعادة عجلة الزمن للخلف من جديد، كم من أمة من الأمم في العالم نهضت من جديد بفضل العلم والعمل، وما دون ذلك ما هو إلا الهلاك، فهل نستيقظ من النوم والسبات العميق وندرك أن الشمس لا تشرق من الغرب ولا تغيب في الشرق، وهذا محال.. ونبدأ بكتابة صفحة جديدة هي بداية العمل والوعي للمستقبل الذي لا يرحم من لا يحرك ساكناً.
– البيان