د.محمد سليمان عبودي
في عيد الفطر من العام الماضي كان لا يزال يوجد بين المسلمين خمسين ألف مسلم لم يعودوا بيننا في هذا العيد. بمعنى آخر أنهم اختفوا تماماً من الحياة التي ما زلنا نحن الأحياء ننعم بطيباتها. أنا لا أتحدث عن الموتى الطبيعيين بسبب المرض أو حوادث السيارات أو الجرائم المختلفة، ولكن عن الذين قتلوا في معارك المسلمين فيما بينهم.
وأنا لا أتحدث عن عدد القتلى المسلمين الذين قضوا ظلماً وبهتاناً على مدى التاريخ الإسلامي من بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا أعتقد أن أحداً منا يملك القدرة على إحصائهم إنما أتحدث عن فترة سنة واحدة فقط تفصل بين عيدين أكلنا فيهما حتى التخمة وضحكنا بينهما حتى الجنون. ناهيك عن الجرحى والمعاقين وآلاف الأطفال الذين أصبحوا أيتاماً خلال 365 يوماً فقط.
ليس لدي رقم دقيق عن عدد المسلمين الذين كانوا أحياء قبل عام وقتلوا قبل صلاة عيد الفطر، الأعداد لا شك تفوق الخيال، والأرقام المعلنة تظل دون الرقم الحقيقي بكثير.
في سوريا، القتل أصبح إدماناً ولم يعد يفرق بين أحد. والذين قتلناهم فحرمناهم من الاحتفال بالعيد من الأطفال والشباب والنساء والشيوخ، ربما تجاوز عددهم الخمسين ألفاً. وإذا افترضنا أن الرقم الذي أعلنه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة يتجاوز المائة ألف روح أزهقت منذ اندلاع الثورة فيها، فهذا يعني بكل بساطة أن لدينا في كل سنة حصيلة خمسين ألف قتيل.
ولأننا فقدنا الشعور بالأرقام، كما فقدنا الشعور بالرهبة أما منظر الموت والقتل والدمار في العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، فما علينا سوى أن نتخيل وأن نتصور في هذا العيد أننا نقف على برج عال ونشاهد في أسفله صفاً طويلاً مكوناً من خمسين ألف جثة ممددة جنباً إلى جنب. هذا المنظر في حد ذاته مخيف يذكرنا بمشهد يوم القيامة. نحن لا نتحدث عن خمسمائة ولا عن خمسة آلاف جثة.
وإنما عن 50,000. وهؤلاء قتلوا خلال سنة واحدة فقط. هؤلاء كانوا يعيشون بيننا يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويفرحون كما نفرح. واليوم لا أثر لهم، وتبخرت أحلامهم وأفراحهم وتبعثرت أعضاؤهم ومنهم من دفن تحت ركام مسكنه، ومنهم من تمزق حتى لم يعد منه أثر حتى يدفن بما يليق بالإنسان أياً كان مذهبه وعقيدته، ومنهم من تشوه حتى لم يعد تعرف هويته، ومنهم من احترق حتى تحول إلى فحم.
وفي ثورة مصر، هناك مأساة أخرى مختلفة لشباب كانوا في عيد الفطر الماضي يعيشون بيننا رغم الفقر والقهر، ورغم الظلم والألم، واليوم أصبحوا تحت التراب لا نقدر أن نتمنى لهم كما نتمنى لأنفسنا عيداً سعيداً وأعواماً مليئة بالفرح ولا نستطيع أن نواسي أهليهم.
وفي العراق مجزرة أخرى. والعدد لا علاقة له بعدد الخمسين ألفاً الذي أشرنا إليه سابقاً. فللعراق حساب آخر. وموت آخر. ولا أحد يعرف عدد قتلى الصراع الطائفي منذ نهاية عيد الفطر السابق إلى نهاية عيد الفطر (السعيد) هذا ولا إلى العيد المقبل.
كل هؤلاء الذين قتلوا في عام واحد فقط من المسلمين إنما قتلوا على أيد (أخوتهم) من المسلمين الذين قرأوا القرآن وصلوا وصاموا ولكنهم فيما يبدو لم يفهموا شيئاً من الدين السماوي؛ في سوريا كما في مصر؛ وفي العراق كما في باكستان وأفغانستان. وكل منهم يدعي أنه مسلم وأنه على الحق، ولا نعرف من منهم سيدخل الجنة ولا نعرف من منهم سيدخل النار.
هؤلاء الذين افتقدناهم هذه السنة، إنما قتلوا بأيدينا كلنا، ودماؤهم في أعناق من قتلهم وفي أعناقنا. لأننا وقفنا متفرجين على فئتين تقتتلان ولا نحرك ساكناً سوى مشاهدة أشلاء القتلى على شاشات الفضائيات بينما نتبادل التهاني بحلول عيد الفطر السعيد.
وكل عام أنتم……..
– البيان