عائشة سلطان
اليوم الجمعة، وهو في وجداننا وحياتنا يوم إجازة ونوم وراحة، وفي طفولتنا كنا نسمع أنه يوم شبيه بالعيد أو هو عيد كما كانت تقول جدتي، كنت أجد جدي يستعد لصلاة الجمعة كما يستعد ليوم وصلاة العيد، كان البيت حركة دائمة، الكل يستعد، يغتسل، يرتدي أفضل ثيابه، يتبخر، يتعطر، ويغدو إلى المسجد، كانت رائحة العود تظل عابقة في أرجاء البيت، ورائحة دهن العود عالقة في كل مكان، وحين يعود الرجال فلابد أن يصحبوا معهم حكايات سمعوها من خطبة الجمعة، وعلى الغداء كان جدي يقول حديثا، وأبي قصة، وخالي موقفا، يقولون ما جمعته ذاكرتهم من خطبة إمام المسجد البعيد قليلا عن المنزل، وكنا ننصت ونستمع ونفرح، ومرت سنوات وسارت تحت جسور الأيام مياه وأحداث، وما عاد معظم الرجال يذهبون لصلاة الجمعة وحضور الخطبة والعودة بمغانمها، ما عاد الرجال يقصون شيئا على أهلهم، يقولون الخطبة ليس فيها جديد، والتليفزيون يغني، واليوتيوب مليء بالخطب والمواعظ!
اليوم الجمعة في تاريخ العالم يوم كأي يوم، يوم من ملايين الأيام التي تتوالى، بالنسبة لنا يوم صيفي شديد الحر والوهج، وهو يوم سفر أيضا، بالنسبة للمنطقة العربية هو يوم ابتلاء آخر من أيام هذا البؤس العربي الملطخ بدماء البسطاء والجهلاء والمستلبين، وبالنسبة لمصر فهو اليوم الثالث بعد فض اعتصامات جماعة الإخوان، اليوم الثالث بعد الطوفان والدمار والخراب، ولقد كتبت مساء الأمس على صفحتي في “تويتر” هذه التغريدة (من هذا الذي لديه ذرة من ضمير أو دين، أو إحساس أو وطنية، ثم يبرر هذا الدمار الممنهج لمصر الدولة ولمصر الوطن ؟)، فكتب لي أحدهم من ليس له ذرة ضمير ولا احساس ولا وطنية ولا … مخ!
اليوم الجمعة وقد تلقيت بالأمس سؤالا من صديقة مصرية كنت قد التقيتها في مهرجان أصيلة بالمغرب منذ عدة أشهر وتوطدت العلاقة بيننا على عادة أهلنا في مصر فهم أصحاب روح حلوة وطبيعة مرحة واستعداد فطري لمحبة الآخر والالتقاء به على أرضية متسامحة: سؤال الصديقة يقول: لماذا تحبون مصر إلى هذه الدرجة؟ فقلت لها لأن لنا في مصر ما لكم أيها المصريون، ولأنكم أيها المصريون قد شاركتم العرب كلهم أرضكم وحضارتكم وفنكم وأغنياتكم وكتبكم وأدباءكم، وأمجادكم وعزكم وانتصاراتكم ونكساتكم، فصرنا إذا حاربت مصر حاربنا معها وإذا انتكست انكسرنا معها، حين توفي عبدالناصر أقام معظم العرب في كل بيت عزاء وحين انتصرت مصر في اكتوبر هلل العرب كلهم وبكوا فرحا، في كل بيت سمع صوت أم كلثوم وأغنيات عبدالحليم وأفلام نجلاء فتحي وروايات نجيب محفوظ، وفي قائمة أصدقائنا لابد من صديق مصري وفي الذاكرة لابد أن يكون أحد مدرسيك مصرياً، ولابد أن تعشق أكلة مصرية وأن تكون قد زرت مصر ولو لمرة واحدة!
اليوم الجمعة وقد عادت تلك الصديقة وسألتني: فلماذا لا يحبها “الإخوان” كما تحبونها وهم مصريون؟ لماذا يفعلون بها ما يفعلو ؟ فقلت لها لأنهم ليسوا إخوانا أولا وليسوا مسلمين ثانيا فمن يفعل تلك الأفعال ويرتكب تلك الجرائم لا يمكن أن يكون إنسانا من الأساس، لقد فتح هؤلاء الناس جرحا غائرا في الواقع العربي من الصعب أن يندمل، وقسموا الأمة وأحدثوا في الأرض الفساد . نصر الله مصر وأهلها.
– الاتحاد