د. فاطمة الصايغ
“ماجد” شاب عربي عاش على أرض الإمارات وتشبع بثقافتها وأحب ترابها وتاريخها، وهو واحد من الشباب العرب الذين اختاروا الإمارات وطنا لهم.
ماجد يعمل كمرشد سياحي في جامع الشيخ زايد في أبوظبي, وقد يكون عمله لا يتعدى تعريف السياح بالبعد الجمالي للمسجد وتقديم المعلومات الفنية والعمرانية عن هذا الصرح الرائع، ولكن ماجد كان مستعدا للإجابة على تساؤلات الأجانب، وخاصة تلك التي تتعلق بثقافة البلد ومبادئ ديننا الإسلامي السمح.
ماجد استطاع أن يرد بلباقة ودبلوماسية كبيرة على كثير من تساؤلات الأجانب، كدور المسجد في الحياة اليومية للمسلم، وقدسية المكان، وثقافة البلد وحضارته. أثبت ماجد بلباقته ومعرفته بخلفيات السياح, بحكم خبرته التي تراكمت من خلال عمله، أنه ليس فقط مرشدا سياحيا ولكنه واجهة حضارية للإمارات.
ماجد وأمثاله نقلة نوعية في طريقة تعاطينا مع السياحة ومستلزماتها وضروراتها، فتأهيل المرشد السياحي لكي يكون واجهة حضارية للبلد، قضية مهمة نادى بها العديد من الناس منذ أكثر من عقدين، لأن هذا الشيء ضرورة وطنية وثقافية وحضارية بالنسبة للإمارات.
فحتى قبل عقد مضى كانت وظيفة المرشد السياحي يقوم بها الآسيويون الذين يفتقر معظمهم لأدنى معرفة عن تاريخ الإمارات وحضارتها وعاداتها وتقاليدها.
والبعض منا يتذكر ذلك المرشد الذي أجاب على تساؤلات إحدى الأجنبيات عن الفرق بين الرجل الذي يلبس غطاء الرأس “الغترة” الحمراء والبيضاء، فكان رده بأن الحمراء يلبسها المتزوج والبيضاء يلبسها العازب.
وحتى لو كان رده بدافع الدعابة, فلم تكن ثقافة المرشد السياحي آنذاك تتعدى هذا النطاق. فقد كان معظم الآسيويين الذين يعملون في مهنة الإرشاد السياحي، لا يمتلكون ثقافة كافية عن المنطقة ولا يعرفون إلا أقل القليل عن نمط الحياة فيها, بل كانت مهنة الإرشاد السياحي مهنة من لا مهنة له.
تأهيل المرشد السياحي تأهيلا جيدا غدا مطلبا وطنيا، خاصة مع تزايد أعداد من يفدون إلى بلدنا بدافع الفضول، أو للتعرف عن قرب على تجربتنا الحضارية وليعرفوا المزيد عن تاريخنا وتطور بلدنا.
فإذا ما أردنا للسياحة أن تتطور وأن تخرج عن كونها مجرد مصدر مهم للدخل، إلى تعريف الآخر بثقافتنا وتاريخنا وعقيدتنا، فيجب الاهتمام بأدق التفاصيل، بدءا من تأهيل المرشدين السياحيين تأهيلا جيدا عن طريق إنشاء كلية أو جامعة تخرج هذه الفئة، ومرورا بمحاولة توطين هذه المهنة ودفع أعداد أكبر من المواطنين والعرب لولوجها، وانتهاء بالانتقاء الجيد للمرشدين السياحيين، لأنهم يتعاملون مع أناس من مختلف الأطياف والخلفيات، ومعظمهم يرغب فعلا في التعرف على ثقافتنا وعلى مبادئ ديننا الإسلامي وسماحته.
لم يعد السياح يفدون إلينا طلبا للمتعة والترفيه فقط، بل إن الكثيرين جذبتهم تجربتنا الحضارية والحضرية. فالإمارات ليست فقط مركز تسوق هائلا وترفيها ومرحا، ولكن تجربة ثقافية وإنسانية غنية. لذا، فالسياحة الثقافية هدف مهم للسياح الذين يزورون الإمارات، وعلينا أن نركز على إبراز ثقافتنا وتراثنا للآخر.
فالتعرف على ثقافة البلد وتاريخه ونمط حياته وأعرافه، أصبح مطلوبا من قبل السائحين وخاصة الغربيين. لذا فعندما يكون المرشد السياحي ملما بتفاصيل الحياة في الإمارات واختلاف الأنماط من منطقة إلى أخرى، يمكنه وبسهولة شرح ذلك للأجانب. ولكن ربما يفتقر أحيانا المرشد السياحي لمعلومات بسيطة تتعلق بتاريخ هذه المنطقة وعاداتها وتراثها المادي والمعنوي، فكيف يمكنه التعاطي مع تساؤلات السياح؟
متطلبات السياحة لم تعد بنية تحتية راقية ومرافق سياحية جاذبة ومتميزة فقط، ولكن الأهم هو وجود الكادر البشرى المؤهل والمدرب تدريبا جيدا، بحيث يمكنه التعاطي مع السياح بصورة مغايرة عن ذي قبل، بحيث يترك السائح بلدنا وهو لديه تجربة غنية متكاملة عن المنطقة وثقافتها وتاريخها.
فالتعامل مع السائح كمجرد رقم من الأرقام أو مورد للدخل هو خطأ, بل يجب التعامل معه كقضية حضارية وثقافية. لذا فإن تهيئة كادر بشري مؤهل ومدرب تدريبا جيدا، خطوة رئيسة تجاه الالتزام بأهم مطلب للسياحة.
وأول الخطوات تجاه خلق ذلك الكادر، هي الاهتمام بالتأهيل وتدريب العناصر البشرية العاملة في مجال السياحة وفي المرافق السياحية وفي الفنادق والمنشآت. فالكثير من السياح يستقون معلوماتهم من موظف في فندق أو عامل في منشأة سياحية، وأحيانا من سائق التاكسي.
إن الاهتمام الذي تبديه الإمارات بتأهيل المرشدين السياحيين والعاملين في المرافق السياحية وفي كيفية التعاطي مع السياح، هو خطوة أساسية تجاه ترسيخ دور السياحة كمصدر مهم للدخل، وكترويج للبلد وثقافته وتاريخه.
لذا فماجد وأمثاله أصبحوا ضرورة ثقافية لكل وجهة سياحية في الإمارات. نحن في أمس الحاجة لشباب يمتلكون الشيء الكثير من روح ماجد وحماسه وحبه لعمله. فتحية لماجد وأمثاله من الشباب المخلصين، والذين يعملون على إبراز الوجه الحضاري للإمارات وتاريخها وثقافتها الإسلامية السمحة.
– البيان