د. محمد حسين اليوسفي
تحت عنوان: “بالفيديو.. عراك وفوضى بأحد جوامع الرياض بعد دعاء الخطيب على السيسي”، نقل موقع “أرقام” في (24/8) الخبر التالي مشفوعاً بشريط فيديو. يقول الخبر: “نشب عراك بين المصلين وبعض المصريين بأحد جوامع مدينة الرياض بنهاية خطبة الجمعة (23/4)، في أعقاب دعاء خطيب الجمعة على وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي بعد دعائه على بشار الأسد.
وكان خطيب الجمعة بجامع الفردوس بحي النهضة قد دعا في نهاية خطبته بأن يجتث الله بشار الأسد وعبدالفتاح السيسي، ما أثار حفيظة أحد المصلين من الجنسية المصرية، الذي توجه للخطيب بالقول بصوت عال: مالك ومال السيسي”! “وأوضح شهود عيان – يضيف الخبر أن حالة من الفوضى عمت المسجد إضافة إلى الاعتداء من قبل البعض عليه، قبل أن يقوم بعض المصلين بإبعاده هو وبعض المقيمين الغاضبين لاستكمال الصلاة”!
أوردت الخبر بنصه ليكون دليلاً واحداً من عشرات، بل مئات الأدلة التي تبين كيف تستغل التنظيمات الدينية الحزبية المساجد للأغراض السياسية. يأتي هذا الخبر – وأمثاله الكثير في طول بلادنا العربية وعرضها – ودماء الأبرياء الذين غرر بهم حزب الإخوان المسلمين لم تجف، والتي أريقت في مسجد رابعة العدوية ومسجد الفتح، فضلاً عن مسجد القائد إبراهيم، وغيرها الكثير من مساجد مصر.
الحركة الدينية السياسية ومنذ نشأتها، اتخذت المساجد منطلقاً لعملها التنظيمي الذي يسمى بلغتهم العمل الدعوي. فمن خلال المساجد يتم انتقاء الشباب اليافعين الصغار ليدخلوا في “أسر” أي خلايا، ثم ليرتقي بهم الحال إلى المراتب الأعلى في التنظيم. وفي المساجد تتم النشاطات الحزبية التثقيفية، تحت ستار حلقات الوعظ والذكر والإرشاد.
وفي حالات كثيرة تنشأ في المساجد صناديق خيرية لجمع الصدقات والزكوات والهبات والتبرعات، تجير أموالها لصالح الحزب.. بل وصل الحد في بعض المساجد (خاصة في الكويت) إلى وجود لجنة اجتماعية مهمتها التزويج.
والكثير من المساجد فيها لجان للعمرة والحج، وهي بالطبع لجان حزبية وليست رسمية حكومية، ومن خلال رحلات العمرة والحج التي يقودها الدعاة الحزبيون، يتم تكثيف التثقيف الحزبي للناشئة صغار السن، وربطهم بالتنظيم وبقياداته ورموزه. ولأهمية المسجد كمنطلق للعمل التنظيمي والسياسي للأحزاب الدينية.
فقد حرصت تلك الجماعات على أن تؤثر على أئمتها (عادة يكونون تابعين لوزارات الأوقاف)، وأن تحاول الاستئثار بالمساجد لتكون تابعة لها. فهذا مسجد للإخوان المسلمين، وذاك للسلفيين، أو في حالة مساجد الشيعة لهذا التنظيم كحزب الدعوة أو غيره.
والمساجد في ظل انتشار تيار الإسلام السياسي، لم تعد منابر للدعاء على هذا الخصم أو العدو السياسي أو ذاك، بل أضحت ومنذ البدايات الأولى لانتشار التنظيمات الحزبية الدينية، منابر للدعوة للتيار الحزبي وإلى رموزه ومؤازرة قياداته في المعارك السياسية المختلفة، وخاصة في الانتخابات النيابية. وهذا السلوك عادة ما يثير المشاحنات والبغضاء بين هؤلاء المتحزبين، وبين بقية المرشحين وأنصارهم الذين يكونون عادة ما يؤدون الصلوات في مسجد واحد.
أما أبشع أنواع استغلال المساجد فقد رأيناه في رابعة العدوية ومسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية ومسجد النور أيضاً، وهو التمترس في المسجد والاحتماء به لنشر الفوضى والاضطراب في المجتمع. فلم يكتف الإخوان المسلمون بوقفات سلمية، بل اقتلعوا طابوق رصف الشوارع وبنوا منه سواتر للمعركة التي كانوا يستعدون لها، ناهيك عن المتاريس الأخرى والأبنية وغيرها.
ولم تتورع الحركة الدينية عن التمترس في المساجد العادية، فتاريخها القريب ينبئنا بما هو أبشع من ذلك، حيث انتهك جهيمان العتيبي (الذي ادعى أنه المهدي المنتظر) حرمة الحرم المكي الشريف واحتله بقوة السلاح قبل أربعة عقود (1979)، ولم يستسلم هو ومن بقي من أتباعه على قيد الحياة، والذين كان عددهم يربو على المئتين، إلا بعد معركة طويلة دارت رحاها في أرجاء البيت العتيق!
نخلص من ذلك إلى القول بأن المساجد لا بد أن نبعدها عن الجدل الحزبي السياسي، الذي تفننت في إثارته التنظيمات الحزبية الدينية منذ أمد طويل، وأن لا نتركها ساحة لهذه التنظيمات التي أخذت تهدد من خلالها سلام المجتمع. نريد أن تعود مساجدنا إلى وظيفتها الأساسية، وهي العبادة.