نورة السويدي
فرق كبير بين أن يكون القانون مواد جافة جامدة تغص بها بطون الكتب ولوائح المرافعات، وبين أن يكون ثقافة وأخلاقاً تضرب جذورها في ضمير المجتمع، لتصبغ من وراء ذلك حياة الفرد باحترام القانون، لا لأنه قانون فحسب، بل لأنه جزء من الشخصية وركن أساس في بناء الإنسان، لا يستطيع كسر حدوده أو التجرؤ عليه حتى لو أمن عين الرقيب أو محاسبة المسؤول.
ها هنا يصبح احترام القانون وسريانه في ثقافة الناس منهج حياة، يتربى عليه الصغار ليمتزج مع النمو الشخصي والفكري والثقافي، وعند ذلك يصبح القانون فوق الذات والمحسوبيات، ويصبح احترام حدوده وتبعاته رفعة إنسانية وقفزة حضارية، لا مجاهدة نفسية عند البعض، تتفتق الأذهان للبحث عن مخرج منها أو احتيال يضمن تجاوزها.
قبل أربعة أعوام، وتحديداً عام 2009، أنشئ في وزارة الداخلية مكتب ثقافة احترام القانون، يشرف عليه ويتابع وجهوده وفعالياته الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية.. مثّل هذا المكتب ولا يزال تجربة رائدة في العمل الحكومي الرسمي، باعتباره الأول من نوعه عربياً للعمل على ترسيخ ثقافة احترام القانون، من خلال رؤية استراتيجية قائمة على نشر الوعي القانوني، فضلاً عن ترسيخ ثقافة العيب في وجدان المجتمع، لتكون هذه الخصال جداراً واقياً يحمي الفرد من براثن الخطأ، وتتخذ من حملات التوعية للأبناء والشباب عبر المدارس والجامعات، جسراً للوصول إلى هذه النتائج الاجتماعية، مع الحرص على دعم القيم والأخلاق والتقاليد الاجتماعية الإيجابية، ونشر هذه الثقافة في البحوث المتخصصة ووسائل الإعلام بأنواعها.
خطوة طموحة ورؤية ثاقبة في مستقبل العلاقات المدنية في المجتمع، وتأسيس جوهر التعامل الحضاري بين أفراده، بناء على مفهوم الرقابة الذاتية لاختيار الأفضل والأحسن والأرقى، والعمل على توثيق عرى التكاتف الاجتماعي، بما يعود على المجتمع بجميع أفراده ومختلف أركانه، بالفائدة والتقدم والنجاح.
ولعل أبرز ما ستحققه مثل هذه البادرة الإيجابية، أنها تتعامل مع جوهر القانون وروحه كما يحلو للمشرعين أن يسموه، وهو الجانب العميق الأخلاقي من جميع النصوص القانونية، بحيث تتسلل إلى النفس لتغدو ممارسة وسلوكاً قائماً على احترام القيمة القانونية بمزيد من الثقة والمحبة والتقدير، لا أن تكون ممزوجة في النفس بمشاعر الحذر والتوجس والخوف من العقوبة.
ومن باب التحدث بنعم الله علينا، لا بد من أن نذكر ونتذكر دائماً نعمة الأمن والاستقرار التي ترفل فيها دولتنا الكريمة، وهي ربما أعظم نعمة لأنها تستتبع وراءها آلاف النعم الأخرى. ولعل نظرة سريعة على العالم من حولنا وما ينتابه من حمى القلق والاضطرابات والتوترات، كفيلة بأن يدرك المرء أهمية نعمة الأمن والأمان..
وهذه لا بد لها من صيانة اجتماعية مستمرة، كان من أبرز المتكفلين بها مفهوم احترام ثقافة القانون، ذلك أنه يتعامل مع الوحدات الاجتماعية الدقيقة في المجتمع وهي الأفراد، ويدخل إلى أدق حيثيات تفكيرهم حتى يعدل فيها الكثير من المفاهيم الخاطئة، وذلك لأن الخطأ الفردي البسيط لا يعد خطأ فردياً بسيطاً من منظور اجتماعي دقيق وعبر روح القانون، بل هو قنطرة تعكس مبدأ الجرأة على القانون في أول خطواتها، ثم لا تلبث عند تكرارها أن تغري صاحبها بالجرأة على أعلى هرم القانون والعقد الاجتماعي.
وهذا مفهوم دقيق جداً يتولى إظهاره وتجليته مكتب ثقافة احترام القانون، الذي يؤكد أن أفراد المجتمع، جميعهم، مكملون لدور الحكومات وسلطاتها، بل إن العبء الأكبر يقع عليهم، كونهم مواطنين مطالبين بترجمة مفاهيم الولاء والانتماء للوطن.
سلسلة راسخة لا بد من رعاية وصيانة جميع أركانها، والعمل معاً على دعم توجهاتها التي يعد التهاون بها جريمة اجتماعية بالنظر إلى عواقبها، كما إن العمل على ترسيخها بين أبناء الوطن وشبابه، رسالة سامية لا بد من تضافر جميع الجهود لتأديتها على الوجه الأكمل، حتى تتلاقى الرؤى عند مستقبل حضاري آمن ومستقر.
– البيان