علي أبو الريش

الحشر والنشر في البحار والقفار، والضجيج والعجيج، والشهيق والنهيق والنقيق، كل ذلك يخض قلباً باتت تنهشه أنياب الفزع، إثر ما يحصل على الأرض، من معاول هدم ومنازل عدم.. نستفتي القلب، فلا نجده في مكانه شمالاً في الصدر، لأن الهدير يخيف الطيور، فتفر هاربة إلى فراغات الغموض الآمن.. التقارير تقول إن العراق فقد ما يناهز المائتي ألف شخص منذ بداية الحرب في

الـ 2003م.. أضف إلى ذلك المشردين، والأيتام والأرامل والثكالى، والمصابين بعاهات مزمنة، بفعل الغازات السامة، التي جاءت كسفاً من فضاءات المجهول.. ولكن المسؤولين في العراق يصرون على أن الأمن مستتب، وأن حكومة المالكي تبسط سيطرتها على ثغور الإرهابيين.. ما لا يصدقه عاقل، أن التفجيرات سارية المفعول، نهاراً جهاراً، والإجابات الحكومية تبعث برسائل إلى الغامض المبهم، أنها قادرة على مواجهة الخطر بغرض المزيد من الحراسات المشددة على المرافق العامة.. ولكن المواطن العراقي لم يزل يعيش حالة الارتياب من الغد، لأن الغد مخطوف بأيد غير مرئية، والأرض العراقية مزروعة بأسود المفخخات، والسماء لم تفرح بعد بالدخان الأبيض.. نستفتي القلب ولا نجد الجواب، لأن الإرهاب سمة الدول التي فقدت سيادتها، وعاشت على قارعة الشعارات تنتظر قوارب النجاة من نار التناحر الطائفي.. العراق الذي كان مغلقاً كالصندوق الأسود أصبح مفتوحاً، كفم سمكة حوت نافقة، تدخل في جوفها، كل قذارات البحار والشطآن الملوثة، ولا سبيل لكبح جماح الفساد الأخلاقي لمن فقدوا الضمير وجعلوا من أجساد البشر وقوداً للضغائن والأحقاد، كل ذلك على حساب الوطن، وسيادته وحريته، وقدرته على النمو والتعافي من الشلل الكلي.

نستفتي القلب، والجواب أننا نبعث بأسئلة إلى الفضاء الخارجي، على ظهر سفينة فضائية، من عهود قديمة نحاول أن نجد مبرراً للأسئلة فلا مبرر سوى أننا ما زلنا نعيش في حمأة التفتيش عن مبررات للحياة، في غضون الجدران المتهالكة.

نستفتي القلب لأننا ما زلنا نتمسك بشعرة معاوية، التي تربطنا بأمل الخروج من نفق المفخخات، ونقول دائماً يارب، يستيقظ النائمون، ليعرفوا أن الله حق، وأن للأوطان حقاً على كل نفس يذوب في هوائها، ومهما بلغت الطوائف من حنق وحقد وحماقة، فإنه لا يدوم إلا الوطن، ولاشيء أقدس من الإنسان، الذي سجدت له ملائكة الله.. فلماذا تكذيب الحقيقة، والسعي قدماً وراء أوهام، ما جرّت على الأوطان إلا الخراب والدمار والتفتيت والتشتيت، وضياع الأمل وفقء المقل.

– الاتحاد