نورة السويدي

«وجدنا في دولة الإمارات أرضية لافتة لاحتضان أفكار مشروع اللاعنف، بالنظر لما تتمتع به من مكانة وسمعة متميزة عالمياً، أكسبتها احتراماً منقطع النظير».. هكذا علق جان هيلمان أحد أبرز مؤسسي «مشروع اللاعنف»؛ تلك المبادرة السلمية العالمية التي تعمل على حل النزاعات بالطرق السلمية على مستوى العالم، مقدماً المبرر المنطقي لاختيارهم دولة الإمارات ودبي على وجه التحديد، منطلقاً لمشروع حضاري إنساني يعم المنطقة بالسلام، ويزرع في الناشئة أصالة التعامل الإنساني في فض المنازعات.

نعم، وقع الاختيار بجدارة على الإمارات، لا لأنها روجت لنفسها بالكلام والدعاوى، بل لأنها تركت العالم يستنطق الواقع ويخرج من مسلماته على الأرض بأدلة أثبتت له أن شعب الإمارات ومن يعيش على أرض الإمارات، جدير بأن يكون الخميرة اللازمة لتشييد هرم السلم الاجتماعي وترسيخ فلسفة اللاعنف بين الناس، لا سيما بين الأجيال الشابة.

لا ندعي التعامل الملائكي في جميع شؤوننا وبين أبنائنا لحل مشكلاتهم، بل مجتمعنا مثل سائر المجتمعات الإنسانية يحمل بين طياته أرقى ثمار الحضارة والتعامل الإنساني، كما يحمل أيضاً القليل من الأشواك التي لا يخلو منها مجتمع، إلا أنه يحق لنا أن نفخر بكوننا استطعنا منذ عقود، الانتقال من حقبة حضارية إلى حقبة أخرى، من دون أن نتخلى عن فلسفة التعايش، رغم الانفجار السكاني الذي طرأ على البلاد وتجاوز عدد الجنسيات والإثنيات أكثر من مئتي جنسية.

ولا يخفى على الراصد ما لهذه الجنسيات من قابلية للانفجار عند التقائها، لا سيما وهي تحمل من الأفكار والعادات والتقاليد ما ليس للجنسيات الأخرى، ولكنها استطاعت بفضل حكمة الإمارات أن تقبل الانصهار في بوتقة واحدة، بالتزام ميثاق تعايش إنساني أخلاقي لا يرقبه رقيب مباشر، وإنما تحفزه رغبات إنسانية حقيقية بأن يعيش الجميع بسلام.

مبادرة ومشروع اللاعنف المزمع نشره بين أطفالنا في المدارس وشبابنا في الجامعات، والحرص البالغ من القائمين عليه على أن يرتقوا بمهارات المدرسين وتأهيلهم وتدريبهم على فن فض المنازعات بين الأطفال بمنهجية اللاعنف، وتوعية الصغار بقوة المنهج السلمي في الحياة ونبذ «البلطجة» والنظر إليها على أنها ضعف مقيت، وليست قوة ومفخرة..

هذه المبادئ لا بد من الدعوة إليها والحرص عليها، في ظل ما نسمعه بين الحين والآخر من منطق القوة الذي يقتحم على الصغار براءة توجهاتهم، ويفهمهم أن الحياة للأقوى وليست للأذكى، وأن منطق القوة هو سيد الأحكام وليس الصلح ولا السلام، ما يترك الشباب على فوهة البركان قابلين للاشتعال لأتفه الأسباب.

نفخر بأن نكون محوراً إقليمياً لمنهج السلمية واللاعنف، وزرع بذورها في أقدس حاضنات المجتمع، وهي المدارس والجامعات، لأننا نعلم أن مثل هذا الاختيار إنما جاء ترجمة لجهود حثيثة حرص عليها الحكام والقيادة الرشيدة، لترسيخ أسس المسيرة السلمية الكبيرة، الشيء الذي أفرز الاحترام إقليمياً وعالمياً.

المؤسسون يبنون آمالاً كبيرة على نقطة الارتكاز في دبي، وعلى الإمارات واحة السلام، كتجربة اجتماعية أثبتت نجاحها على كثير من المستويات، بل وبرهنت على رسوخها في وجه الكثير من التحديات والاختبارات التي مرت على المنطقة والمحيط العربي والعالمي، واستطاعت تجاوز العديد من الهزات والأزمات، لتخرج أقوى من ذي قبل، وأشد أيماناً بجدوى السلم الاجتماعي ونبذ العنف، طريقاً لتحقيق مستقبل الحضارة المنشود، فقال متحدث ومؤسس المشروع: «من الرائع أن نرى دبي تأخذ زمام المبادرة وتصبح مثالاً يحتذى في تسوية النزاعات بوسائل غير عنيفة في المنطقة والعالم».

ولا شك أن دقة تجربة هذا المشروع تكمن في تركيزه على الناشئة الصغار والأطفال والشباب، كونهم حجر الأساس الاجتماعي لأي تغيير، وهم رجال المستقبل الذين إذا نشأوا أسوياء يعرفون قيمة التعايش، سيكون من الصعب اختراقهم وهم كبار من أي مرتزقة للعنف أو أي مصطادين للمكاسب الشخصية على حساب آلام الشعوب. وكما يرى القائمون على هذا المشروع اللافت المميز، أن الانطلاق من الطفولة هو الطريق للحصول على عالم يسوده السلام والعدالة والاحترام المتبادل.

ونحن بدورنا، أسراً ومعلمين ومربين، لا بد أن نكون على قدر المسؤولية بالعمل الجاد على إنجاح هذا المشروع، لنعكس بصدق ريادة الإمارات في منهج اللاعنف والتعايش والاستقرار، فلسفة حياة ومنطلقاً للتغيير.

– البيان