علي عبيد

رغم أن معرض “إكسبو” الدولي عندما انطلق للمرة الأولى عام 1851 في لندن، كان تحت عنوان “المعرض العظيم لمنتجات الصناعة من دول العالم”، إلا أن هذا المعرض، الذي يقام كل خمس سنوات، تحول بمر السنين إلى مناسبة للاحتفاء بالتنوع الثقافي والتلاقح الحضاري.

ومد جسور التواصل بين الشعوب والأمم. وهو ما دعا دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التقدم بطلب استضافته عام 2020 في دبي، تحت شعار “تواصل العقول وصنع المستقبل”.

لهذا كانت لفتة ذكية من “هيئة دبي للثقافة والفنون” أنْ أطلقت، برعاية كريمة من سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم رئيس الهيئة، النسخة الثانية من معرض “دبي قادمة”، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على المشهد الثقافي والفني المزدهر في دبي، وذلك في معهد العالم العربي بباريس، خلال الفترة من 26 إلى 28 سبتمبر الماضي، في إطار دعم ملف دولة الإمارات لاستضافة معرض “إكسبو الدولي 2020”.

ولتقديم الوجه الثقافي والحضاري للإمارة، من خلال التشكيلات الفنية التي تعبر عن مسيرة التطور الاستثنائية التي قطعتها، وعبر استلهام رؤى وتراث الشعب الإماراتي، وسعيه المستمر نحو تعزيز التعاون العالمي.

ومد جسور الحوار الحضاري البنّاء بين الثقافات، وفق ما جاء في بيان إطلاق المعرض الذي أرسل رسائل عدة، تمثلت في الأعمال الفنية التي قدمتها نخبة من المبدعات والمبدعين الإماراتيين الشباب، الذين تنوعت أعمالهم بين التشكيل، والغرافيك، والتصوير الفوتوغرافي، والفنون البصرية المختلفة، إلى جانب الأفلام السينمائية والجلسات الحوارية.

وكلل هذا حضور مجموعة من الشخصيات الثقافية الإماراتية البارزة، ضمت عدداً من المثقفين، والكتاب، والفنانين، والمهتمين بالشأن الثقافي، وداعمي الحركة الثقافية والفنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، كان على رأسها الكاتب والمثقف والأديب والصديق، معالي محمد أحمد المر، رئيس المجلس الوطني الاتحادي، نائب رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون.

البريق الذي يتركه عادة اسم الإمارات، ممثلة هذه المرة في دبي التي تقدمت لاستضافة معرض إكسبو 2020، كان واضحاً أينما حل الوفد الثقافي الإماراتي الذي حرص على زيارة عدد من المتاحف والمعارض الفنية والمعالم الثقافية في عاصمة النور باريس.

فخلال زيارة الوفد لمتحف “اللوفر” الشهير، لفت نظر المرشدة المرافقة لنا في “قسم الفن الإسلامي” شعار “إكسبو دبي 2020” ذو اللونين الفضي والأزرق الذي كنا نضعه على صدورنا، وكانت فرحتها كبيرة عندما بادر أحد الزملاء بفك الشعار من على ياقة معطفه وقدمه لها.

هذه اللقطة البسيطة في متحف “اللوفر” الذي يعد من أشهر المتاحف العالمية، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق، لها دلالات كبيرة، فهي تعبر عن تقدير شعوب العالم.

والشعب الفرنسي على وجه الخصوص، للإمارات وشعبها، وعن دعمهم لاستضافة دبي للمعرض الذي تتنافس على استضافته دول العالم، مقدمة أفضل ما لديها كي تحظى بهذه الاستضافة التي تمثل لحظة فارقة في تاريخ الدول والمدن التي تستضيفه، وإن كانت دبي قد تجاوزت تلك اللحظة بمسافة كبيرة قبل أن تستضيف المعرض.

لكنها تدخل المنافسة لتبهر العالم بمستوى التنظيم الذي سوف تقدمه إذا ما فازت بهذه الاستضافة، وكي تحدث نقلة نوعية في تنظيم المعرض نفسه، مثلما عودت العالم في كل المعارض التي تقام على أرضها. وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حين قال في إحدى تغريداته على حسابه في موقع تويتر: “سننظم أفضل دورة في تاريخ المعرض”.

الجهد الذي قام به فريق “هيئة دبي للثقافة والفنون” خلال فترة تنظيم معرض “دبي قادمة” في باريس، بقيادة الصديق الدكتور صلاح القاسم، مستشار الهيئة، قدّم نموذجاً رائعاً لما يمكن أن تقدمه دبي إذا ما أتيح لها أن تستضيف المعرض، وتجلى هذا في التنظيم المتقن الذي أصبح صفة ملازمة لأبناء الإمارات، وفي الابتسامة التي لم تفارق الوجوه طوال أيام الفعالية.

والمواعيد الدقيقة التي تميزت بها، والترحيب الذي كان يلقاه الزوار، والأجواء الحميمية التي سادت جناح “الفن المتحرك” الذي صممته المعمارية العراقية العالمية زها حديد حيث أقيم المعرض، وأشياء كثيرة يضيق المجال عن حصرها، كانت من السمات البارزة التي لمسها الجميع، منذ بداية الإعداد للفعالية وحتى انتهائها.

وقد انعكس هذا بشكل واضح على زوار المعرض والمشاركين في الندوات المصاحبة، كما انعكس في تصريحات وزير الثقافة الفرنسي الأسبق رئيس معهد العالم العربي الحالي “جاك لانغ”، الذي أكد أن إقامة معرض “إكسبو” الدولي 2020 في دبي، سيكون شهادة تؤكد أهمية هذه المنطقة الحيوية على الساحة العالمية.

“دبي قادمة” لم يكن مجرد معرض فني، أو فعالية ثقافية أقامتها “هيئة دبي للثقافة والفنون” في باريس للاستهلاك الإعلامي، ولكنها كانت رسالة مهمة وقوية أرسلتها الهيئة في هذا التوقيت، قبل شهرين من الإعلان عن اسم المدينة التي ستفوز باستضافة معرض “إكسبو” الدولي 2020، حيث تتنافس دبي مع كل من “إيكاترينبرغ” الروسية، و”إزمير” التركية، و”ساوباولو” البرازيلية.

وهي رسالة تبعث ردودها الأولية على التفاؤل، حيث تبدو حظوظ دبي في الفوز قوية، لأن من يقود فريق دبي في منافسات الوصول إلى خط النهاية في سباق تنظيم “إكسبو” الدولي 2020 هم أبناء الإمارات، وقد اعتاد أبناء الإمارات حب المركز الأول، كما علمهم قادتهم، ودبي قادمة هذه المرة عبر بوابة مدينة النور باريس، التي رجعنا منها متفائلين بالفوز، لأن التفاؤل من سمات أهل الإمارات الأولى.

* البيان