عائشة سلطان

اليوم سألني شاب يدرس الإعلام في إحدى جامعات الإمارات عن تقييمي لوسائل التواصل الاجتماعي ومستقبل الصحافة الورقية، وحينما ذكرته بأنه طلب مني بضع دقائق للحديث بينما هذه الأسئلة التي يطرحها لا يمكن الإجابة عنها في دقائق، قال متذاكياً: نحن في عصر السرعة يا أستاذة، فتذاكيت عليه قائلة: أي سرعة تقصد؟ سرعة مضي الزمن أم سرعة الوصول إلى الهدف؟ ولم أرد أن أرده خائباً، فقلت له: أما وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا زمانها، وقد تطورت وتنامى مستخدموها؛ لأنها باتت احتياجاً نفسياً واجتماعياً وإنسانياً أكثر مما هي وسائل إعلام أو وسائط تواصل تمثل تسلسلاً تاريخياً لا معنى له، لقد اخترعها الإنسان ليخفي بها إخفاقاته ويعوض بها ما ينقصه، تماماً مثل اللغة التي اخترعها الإنسان ليخفي بها مشاعره حسب تعبير الأديب الأيرلندي أوسكار وايلد.

وطالما أن هناك احتياجاً إنسانياً فطرياً للتواصل والتقارب واحتياجاً أكبر لتقدير الذات وللعلاقة بالآخر وللمعرفة، وطالما فقد الإنسان بواسطة أنظمته القمعية أحياناً وتطوره المجنون أحياناً علاقاته الإنسانية وحقه في التعبير والكلام وطالما أن الحرية باقية في دمه نسغاً حاراً وتعبيراً صادقاً لوجوده وآدميته فإنه لا مجال ولا مكان لكل ذلك سوى مواقع التواصل الاجتماعي، في زمن صارت العلاقات الإنسانية والحياة الاجتماعية معقدة وتجتاحها العديد من الانكسارات والانشغالات وكثير من الخيبات، إن لم يكن في تلك البقعة ففي بقاع أخرى كثيرة تزدحم بالفقر والقمع واليأس والبرودة، وإذن فلا مجال للحديث عن نهاية عصر هذه الميديا ذات التأثير الخرافي! يعيب الناس أنهم يحولون الوسائل التي يخترعونها لتحقيق غاية إلى غاية في حد ذاتها، فلماذا على الجميع إذا أعلن السوق عن جهاز هاتف جديد أن يتسابقوا جميعاً لشرائه إن لم تكن بهم حاجة إليه؟ هل حقاً لأن الجميع بحاجة حقيقية إليه؟ سألته، إذن فليركض العالم وليندس في أجهزته الحاسوبية، ولينتهي أي نقاش حول هذا الموضوع! مع أنني أجده من أكثر الموضوعات جذباً للنقاش وللجدل، ولا بأس فالنقاش دليل حيوية المجتمعات. أما الصحافة الورقية، فقد وجدت مع بزوغ عصر الثورة الصناعية وبناء المصانع في أوروبا، ومع نشوء وتطور المجتمع الجماهيري وحاجة الإنسان لمعرفة الأخبار وما يدور حوله، ومنذ تلك السنوات البعيدة وحتى اليوم، فإن اختراعات شتى عبرت جسور الحضارة الإنسانية، بعضها تلاشى وبعضها اختفى تماماً، بينما الصحيفة لا تزال تلوح في أيدى كل الموظفين الذاهبين والعائدين من أعمالهم صباح مساء، في السيارات الفارهة، كما في قطارات الدرجة الثالثة وفي عربات المترو السريعة، لم يحدث يوماً أن اختفت الصحف، بل العكس من ذلك إعلاناتها في تزايد وقراؤها يدافعون عنها، ورائحة حبر الصحيفة لا تزال محببة عند قرائها، دون أن يعني ذلك أنها في مأمن من تهديد الوسائط الإلكترونية. لم تختف وسيلة لأن وسيلة أخرى اخترعت، ما يحدث هو أن الوسيلة الجديدة تسرق الأضواء والاهتمام، كما تأخذ من نصيب الوسيلة السابقة، تأخذ جزءاً من قرائها ومن إعلاناتها ومن الإقبال عليها، مقدار هذا الجزء يعتمد على هامش الحرية وجودة وأهمية المضامين التي تطرحها الوسيلة الجديدة، وتبقى جودة المضامين هي الأهم، وهنا يمكن للصحافة الورقية أن تنافس وأن تدافع عن سلطويتها إن رغبت، أما إذا انعدمت الحرية وفقدت جودة المضامين، فعليها السلام والرحمة.

– الاتحاد