طوّر باحثون في جامعة «كارنيجي ميلون» الأميركية برنامج كمبيوتر يهدف إلى تعليم أجهزة الكمبيوتر القدرة على تمييز الأشياء، والربط بين الصور، وفهم العالم المرئي من خلال الطريقة نفسها التي يتعلم بها البشر، وذلك عبر تصفح ملايين الصور، واكتشاف محتواها، وإيجاد الصلات بينها.
ويحمل البرنامج اسم «نيل» NEIL، وهو اختصار للحروف الأربعة الأولى من عبارة تعني «لا ينتهي أبداً من دراسة الصور»، ويهدف لإيجاد أجهزة كمبيوتر يمكنها تعلم الأشياء من تلقاء نفسها، ودون تدخل مُسبق أو ما يُسمى بـ«الإدراك والتمييز السلي».
وبدأ «نيل» العمل في منتصف يوليو 2013 على مدار 24 ساعة، وطوال أيام الأسبوع، وتصفح خلال هذه الفترة ثلاثة ملايين صورة، وتمكن من التعرف إلى 1500 كائن مختلف في نصف مليون صورة، واكتشاف 1200 مشهد في مئات الآلاف من الصور، إضافة إلى التوصل إلى 2500 صلة بين عناصر مختلفة.
ويتعرف «نيل» إلى الأشكال والألوان التي تتضمنها الصور، كما يستكشف العلاقات بين العناصر من تلقاء نفسه.
وحتى قبل «نيل» أمكن لأجهزة الكمبيوتر تسمية الأشياء بالاعتماد على تطبيقات «الرؤية الحاسوبية» التي تشير إلى معالجة وتحليل وفهم الصور من العالم الحقيقي لإنتاج بيانات رقمية، وهو ما يمكن للبشر بسهولة القيام به، ويأمل فريق البحث القائم أن يُوفر «نيل» تحليلاً إضافياً للبيانات.
وقال الأستاذ المساعد في «معهد الروبوتات» التابع لجامعة «كارنيجي ميلون»، إبهيناف جوبتا، إن «الصور هي أفضل طريقة لتعلم الخصائص البصرية، وتشمل الكثير من معلومات الإدراك السليم حول العالم، إذ يتعلم البشر ذلك بأنفسهم، ومن خلال (نيل) نأمل أن تتمكن أجهزة الكمبيوتر من فعل ذلك أيضاً».
ويُتيح فريق البحث، الاطلاع على الروابط التي توصل إليها برنامج «نيل» عبر موقعه على الإنترنت، ومن بينها حقائق مثل وجود السيارات في الطرق، واعتبار الإطارات جزءاً من السيارة، ووجه الشبه بين البط والإوز، وأنه يمكن لطائرة «إيرباص 330» أن تكون نوعاً من الطائرات أو تتشابه معها.
ومن بين الأمثلة الأخرى، العلاقة بين البرج المائل، و«بيزا»، وإمكانية وجود الحمير الوحشية في مناطق حشائش «السافانا»، وكون الغزلان من أنواع الظباء أو قريبة الشبه بها.
وفي بعض الأحيان، مثلت الصلات التي توصل إليها «نيل» مفاجأة للباحثين؛ فعند البحث عن «إف 18»، كان المتوقع اكتشاف نوع الطائرة المقاتلة، في حين أشار «نيل» أيضاً إلى إحدى فئات القوارب تحمل الاسم ذاته.
ومع ذلك، فبرنامج «نيل» ليس بعيداً تماماً عن الأخطاء؛ إذ قد يخلط بين كلمة «بينك» أو Pink بمعنى اللون الوردي، و«بينك» وهو اسم لأحد مطربي موسيقى «البوب»، أو يقول بأن حيوان وحيد القرن أحد أنواع الظباء.
ومن بين الأهداف الأخرى لبرنامج «نيل» المساهمة في تكوين أكبر قاعدة بيانات في العالم للمعرفة البصرية، وفيها تُوصف وتُصنف الأشياء والمشاهد والإجراءات والخصائص والعلاقات السياقية.
وقال «جوبتا»: «خلال فترة تراوح بين السنوات الخمس إلى الـ10 الأخيرة، تعلمنا من أبحاث الرؤية الحاسوبية أنه كلما امتلكنا المزيد من البيانات، أصبحت الرؤية الحاسوبية أفضل».
ويتطلب عمل برنامج «نيل» قدراً كبيراً من طاقة الكمبيوتر، ويعمل على مجموعتين من الأجهزة تتضمن 200 نواة معالجة، كما يستهلك نحو 3.2 تيرابِت (تيرابِت تعادل 1000 غيغابِت) من ذاكرة الوصول العشوائي «رام»، ومساحة القرص الصلب تُقدر بعشرات «تيرابِت» للقرص الصلب.
وعلقت خبيرة الذكاء الاصطناعي في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، كاثرين هافسي، على برنامج «نيل» بقولها إن «البشر دأبوا على اتخاذ القرارات بالاعتماد على مجموعة كبيرة من الافتراضات غير المعلنة، وهو ما لا يمكن لأجهزة الكمبيوتر القيام به».
ولفتت هافسي إلى قدرة البشر على الاستجابة بسرعة أكبر لبعض الأسئلة التي تتطلب من الكمبيوتر وقتاً طويلاً ليتوصل إلى إجابتها، وضربت المثل بسؤال: «هل يُمكن أن تدخل زرافة إلى سيارتك؟»، وقالت إننا يمكننا الإجابة عن سؤال مثل هذا حتى دون أن يسبق لنا التفكير في هذا الأمر، وذلك من خلال إدراكنا لحجم الزرافة.
بدوره، قال الخبير في الذكاء الاصطناعي، روبرت سلون، إن نهج برنامج «نيل» يمكن أن يُقدم نتائج مثيرة للاهتمام؛ نظراً لاعتماده على اللغة لتعلم الكمبيوتر، وهو ما يتضمن جميع أنواع المشكلات داخله.
وأسهم في تمويل برنامج «نيل» كلٌ من شركة «غوغل» و«مكتب أبحاث البحرية» التابع لوزارة الدفاع الأميركية. ومع أن الطرفين لم يكشفا عن أسباب دعمهما للمشروع، فإنه يمكن استنتاج الدور المحتمل لأجهزة الكمبيوتر في المساعدة على اتخاذ القرارات في حروب المستقبل.
وأشار موقع «مكتب أبحاث البحرية» (أو إن آر) إلى أن بيئة المعارك الحالية صارت أكثر تعقيداً مما كان عليه الحال في الماضي.
وأضاف: «يتسارع معدل وصول البيانات إلى نظام اتخاذ القرار، في حين يتراجع عدد الأشخاص القادرين على تحويل البيانات إلى معلومات يمكن التدخل على أساسها».
ويعمل برنامج «نيل» تحت شعار: «أنا أزحف، أرى، أحلل»، وربما يُسهِم في التوصل إلى أجهزة كمبيوتر أكثر ذكاءً في المستقبل.
الامارات اليوم