د. ياس خضير البياتي

يبدو اليوم، في عصر الإعلام الجديد، أن الوسائل التقليدية لكسب الجماهير أصبحت في خبر كان، حيث ضعف دورها وخف صوتها وقل بريقها، ولم تعد الخطب الرنانة للرؤساء في الميادين، ونظريات (الكاريزما) تلقى تجاوباً وتفاعلاً من الشباب الذي أسس له جمهوريات في عالم التواصل الاجتماعي.
انتهى العصر الذي كانت تزحف فيه الملايين إلى الميادين لتستمع إلى أصوات زعمائها، مثلما انتهى عصر البيانات السياسية الثورية الرنانة التي كانت تدغدغ المشاعر وترفع من معنويات الجماهير، ليبدأ عصر جديد انتقل الإعلام فيه من السلطة الرابعة إلى السلطة الخامسة، وهي سلطة المواطن التي تمكن من بسطها على المجتمع من خلال المدونات والمواقع الإلكترونية والصحف الإلكترونية ومن ثم مواقع التحاور وعلى رأسها فيسبوك وتويتر. بمعنى تحول المواطن من متلق للقرار إلى صانع له.

ويكفي اليوم مراجعة الأرقام لنعرف قيمة وخطورة الإعلام الجديد في حياتنا المعاصرة، والتي تعكس الكثير من الدلالات التي تجعل منه الجهاز الأقوى في اختراق عقول البشر.

وتشير معظم الدراسات إلى أن الشباب العربي يعتبر الإعلام الجديد مرجعيته الرئيسية.

وأظهرت نتائج الاستقصاء الذي أجرته شركة (يوغوف) عام 2012 على ثلاثين ألف مستخدم لوسائط الإعلام الجديد في دول الشرق الأوسط، أن واحداً من كل خمسة أشخاص يثق في المعلومات الواردة على مواقع الإعلام الجديد (فيسبوك وتويتر والمنتديات والهواتف النقالة وغيرها) أكثر مما يثق في المعلومات المذكورة في الإعلام التقليدي.

كما كشف الاستقصاء أن 45 في المئة يدخلون على الإعلام الجديد من خلال الهواتف النقالة، بينما يستخدم 47 في المئة الإنترنت من أجل البحث عن برامج تلفزيونية ومشاهدتها عبر وسائط الإنترنت (مثل يوتيوب).

وكما أن للسياسة والأحداث نصيبا في صفحات فيسبوك، فإن للقادة نصيبا كذلك في صفحاته. ولأنها بدأت تربط بين أطراف المجتمع وتنمو بسرعة، لم يعد بوسع الحكومات الحالية والقادمة أن تتجاهل أهمية هذه الشبكات الاجتماعية.

وبدأت الحكومات تتدرّب على مواجهة هذا النوع من التحديات، لأن ما يجري ليس «غيمة عابرة، بل مجموعة من السحب السوداء، تجمعت وتراكمت وتفاقمت شحناتها الكهربائية والمغناطيسية».

لهذا تبدو الدول قلقة ومرتبكة لأنها تواجه اليوم ما هو أخطر. فبادرت الحكومات إلى استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية للتواصل مع الشعب.

وتحرك المستشارون ومؤسسات العلاقات العامة لإبداء النصيحة الذهبية للرؤساء بضرورة فتح الحوارات مع هذه الدولة الافتراضية وسكانها، وإيجاد لغة جديدة معهم.

ولا غرابة أن يقدم أحد مستشاري أوباما استشارة ملخصها «لا تهتم بالصحف كثيرا، لأن كسب العقول اليوم يبدأ بالإعلام الجديد»، ولهذا أسس أوباما صفحة خاصة على تويتر، سرعان ما أصبحت من أشهر مواقع رؤساء العالم، حيث لديه الآن أكثر من مليوني صديق. وهو نفسه الذي فاز بالرئاسة عام 2008، نتيجة التنظيم الهائل الذي أدى إلى زيادة الدعم والتصويت من خلال شبكة كبيرة من الداعمين على شبكة الإنترنت قاموا بتنظيم عملية الاقتراع، وساهمت في حملة لجمع التبرعات كانت قياسية حيث قُدّرت حصيلتها بـ600 مليون دولار، كما أنها عرضت أشرطة مصورة شوهدت ملايين المرات على شبكة الإنترنت.

إن التحديات المستقبلية التي تواجه الدول العربية، وبالذات صناع القرار السياسي، هي الثورة التقنية في مجالات الإعلام الجديد وتنوعها، واستخدامها من قبل جميع أفراد المجتمع، وزيادة التركيز على أدوات التواصل الاجتماعي وتوسيع دائرة استخداماتها خاصة بين الشباب باعتبارهم الفئة الأكبر والأكثر اهتماماً بهذه الأدوات. وهو الأمر الذي ينبغي أن يضعه صاحب القرار كأجندة في تعامله مع الجمهور من خلال استحداث إدارة جديدة بمسمى «إدارة الإعلام الجديد» يديرها مستشارون في التقنيات والإعلام والاتصال وخبراء في علم النفس والأجتماع، يكون هدفها متابعة ما يبث على الوسائط عبر وسائل الإعلام الحديثة، والاستفادة منها كمصادر أخبار ومعلومات، والمراقبة المستمرة لمضامين الإعلام والإشاعات بأنواعها، والتحاور مع الجمهور، لأن وسائل التواصل الاجتماعي تعين واضعي السياسات على تحديد الأولويات وتشجع الجمهور على تقبل البرامج وزيادة مستويات الرضى، كما أنها تعزز فرص نجاح نتائج السياسات، وتحفز الجمهور على المشاركة برأيه والإسهام في التطوير والعمل على مراجعة وتحديث استراتيجية الدولة وآليات صنع القرار بها، إضافة إلى تعزيز المشاركة الاجتماعية عبر أدوات التواصل الاجتماعي وقياس تأثيرها.

– العرب