عائشة سلطان
لا يمكن للإعلام أن يرقى بغير فكر مؤسسي، ولا يمكنه أن يستمر بغير مبدأ التنافسية، فما لم يضبط الإعلام بوصلته وأهدافه وحركة العاملين فيه على إيقاع التنافس، فإنه سيظل خارج التغطية أو خارج السياق وخارج السباق. أما الفكر المؤسسي، فلا يستقيم مع «الشخصنة» والمزاجية والفردية، ذاك فكر وهذا فكر وهما لا يتصالحان ولا علاقة بينهما أبدا. وأما التنافسية، فهي أن تعمل وفق مبدأ أكون أو لا أكون، ولكي تكون في الإعلام فإن على الذين يقودون المؤسسة ويرسمون سياستها ويصرفون عملها اليومي أن يعلموا أن البقاء للأقوى في الإعلام كما في أي مكان، والأقوى في الإعلام هو من يمتلك الأدوات الصحيحة والحاسمة، وأولها الإنسان الإعلامي المحترف وبنية القوانين والضوابط التي تحكم العمل الإعلامي.
هذه هي المعطيات التي لا يمكننا أن نتجاوزها بأي حال، ولا أن نسيِّر عملاً إعلامياً بدونها، المسألة ليست في تعجبنا المؤسسة أو لا تعجبنا، المسألة الأساسية أن الإعلام عمل جماعي لا يستقيم ولا يحلق عالياً إلا بالحرية بالتناغم والانسجام والإيمان الجماعي بحزمة أهداف محددة وممكنة القياس والتنفيذ، فلا يمكن أن تنجح وسيلة إعلامية يتصارع أفرادها إلى درجة التطاحن فيما بينهم، ببساطة لأن التنافس مشروع وطبيعي ومحفز أما الصراع فليس سوى فعل ممنهج للتدمير، تدمير الإنسان، تدمير المنتج وتدمير الموهبة، والتدمير ليس من سمات المؤسسة أبداً، إنه واحد من إفراز ذهنية التسلط والفردية التي انتهى زمنها بلا شك!
لقد قلنا في هذا المكان وخلال الأيام السابقة أشياء كثيرة حول الإعلام الإماراتي، لكن ما طرح في جلسات الأمس خلال منتدى الإعلام فتح أفقاً أكثر اتساعاً لمزيد من شهية الأسئلة والحوار، وقد أُتيح للشباب أن يجلسوا على المنصات وأن يقولوا ما لديهم، كما سمع بوضوح ساطع صوت شباب آخرين كانت لمداخلاتهم آثار جيدة وأصداء إيجابية، ومن كل ما قاله هؤلاء الشباب يمكننا تأكيد أن الإعلام الإماراتي لن يكون بإمكانه بعد اليوم أن يتجاهل الإعلامي الإماراتي ولا المنتج الإعلامي الإماراتي حتى مع تسليمنا بأن هذا الإعلام يتوجه إلى ما نسبته 85% من الجمهور غير الإماراتي، ففي أول الأمر وفي نهايته يظل هذا الإعلام يحمل اسم الإمارات وهوية الإمارات وينطلق من الإمارات بأموال إماراتية وبإمكانات إماراتية، ما يجعل ضآلة الوجود الإماراتي فيه غير مقبول أبداً تحت أي مبرر من المبررات!
لقد تألقت لدينا أسماء إماراتية في مجال الإعلام الرياضي غالباً وفي المجال الصحي قليلاً، وما عداه فنحن نستورد نجوماً من الخارج ليقدموا ويكتبوا ويتحدثوا لنا في السياسة والاقتصاد والطب والفن والثقافة، مع الاعتراف بوجود اسم هنا واسم هناك، لكننا هنا نتحدث عن القاعدة وليس عن حالات مبعثرة، لماذا لأن الإعلام الإماراتي لم يخطط ومنذ سنوات طويلة لتأسيس وتخريج كوادر إماراتية في كل المجالات، اكتفى بالسهل أو الشائع والمتداول، وترك بقية الجملة مفتوحة بدون أي محاولة للاشتغال عليها وفق خطط ورؤى واستراتيجيات، هذا القصور ندفع اليوم ثمناً باهظاً له، وهذه مسألة ذات بعد اجتماعي وإعلامي مهم لا يجب إهمالها بعد اليوم.
منتدى الإعلام الإماراتي الذي عقد بالأمس يعتبر نقطة مضيئة في المشهد الإعلامي المحلي، نأمل أن يحافظ على ألقه الذي رافق النسخة الأولى منه صباح أمس.
– الاتحاد