شهدت وتيرة المعارك بين ثالوث القوات العراقية والعشائر و«داعش» في محافظة الأنبار أمس تطوراً لافتاً بقصف الجيش، وللمرة الأولى، مدينة الفلوجة التي أفيد عن سيطرة التنظيم عليها، قبل أن يعلن مسلحو العشائر تمكنهم من أخذ زمام الأمور، في ظل بروز توابع إنسانية عبر موجة نزوح لمئات الأسر هرباً من المعارك الطاحنة والدامية.
وقال زعماء عشائر ومسؤولون عراقيون أمس إن الجيش العراقي قصف مدينة الفلوجة غرب العراق بقذائف «مورتر» في محاولة لاستعادة السيطرة عليها، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل. وذكرت مصادر طبية في المدينة أن 30 شخصا آخرين أصيبوا في قصف الجيش.
وأوضح مسؤولون وشهود في الفلوجة أن «المناطق الشمالية والشرقية في المدينة تحت سيطرة رجال العشائر والمتشددين بعد أن فر السكان إلى أحياء سكنية مجاورة للاحتماء من قصف الجيش». وكان مصدر أمني عراقي رفيع المستوى في محافظة الانبار قال إن الفلوجة «خارج سيطرة الدولة وتحت سيطرة تنظيم داعش الذي عين والياً عليها»، مضيفا أن «المناطق المحيطة بالفلوجة (60 كلم غرب بغداد) في إيدي الشرطة المحلية»، قبل أن يعلن مسلحو العشائر استعادة سيطرتهم على المدينة من «داعش» وتوليهم مسؤولية الأمن.
أما في الرمادي، فقال ضابط برتبة نقيب في شرطة المدينة إن «الاوضاع هادئة ولا توجد أي اشتباكات». وأضاف إن «قوات الشرطة والعشائر تنتشر في أغلب مناطق المدينة وتسيطر عليها، ولكن مسلحين من تنظيم القاعدة ما زالوا يتواجدون في أحياء الملعب والعادل والبكر» وجميعها تقع وسط الرمادي.
وصرح قائد القوات البرية في الجيش العراقي الفريق الركن علي غيدان لوكالة «فرانس برس» أن «هناك ثلاثة مجاميع تقاتل، الأولى هي عناصر داعش، والثانية هي أبناء الصحوات والعشائر التي تقف إلى جانب الشرطة والجيش، والثالثة هو ما يعرف بالمجلس العسكري الذي أعلن عنه في الفلوجة». وكانت مجموعات مسلحة بينها «الجيش الاسلامي» و«كتائب ثورة العشرين» و«مجلس شورى المجاهدين» أعلنت تشكيل هذا المجلس بهدف التنسيق في مقاتلة القوات الأمنية، من دون أن يتضح ما إذا كان هذا المجلس مواليا لـ«داعش».
طائرات روسية
وبالتوازي، أفاد مصدر رفيع في وزارة الدفاع العراقية بأن 13 طائرة هليكوبتر من طراز «مي 35» روسية الصنع وصلت إلى ميناء أم قصر في البصرة، مشيرا إلى أن «الطائرات ستشارك في العمليات العسكرية». وقال المصدر إن «13 مروحية مي 35 التي تعرف بصياد الليل، وصلت إلى ميناء أم قصر في محافظة البصرة ، ضمن صفقة السلاح الموقعة بين البلدين». وأضاف المصدر إن «هذه الطائرات ستشترك بعد نقلها إلى القواعد الجوية والانتهاء من تجهيزها في العمليات العسكرية الدائرة في محافظة الأنبار».
حركة نزوح
إنسانياً، أفاد مصدر في قيادة عمليات الأنبار بأن المئات من الأسر نزحت من مدينة الفلوجة بسبب القصف الذي استهدف عددا من الأحياء السكنية. وقال المصدر إن «المئات من الأسر نزحت من مدينة الفلوجة إلى مناطق غرب محافظة الأنبار، بسبب القصف الذي استهدف عددا من الأحياء السكنية هناك»، مبينا أن «الطريق الرابط بين بغداد والمدينة انقطع، ما دفع بالعوائل إلى النزوح لتلك المناطق». وأضاف إن «الحياة في مدينة الفلوجة والمحال التجارية معطلة بالكامل بسبب العمليات العسكرية والقتال بين المسلحين وقوات الجيش والشرطة».
وخلت شوارع الفلوجة من المارة والسيارات تماما، واقتصرت الحركة فيها على مرور بين حين وآخر لسيارات بين الازقة هربا من أماكن الاشتباكات والقصف عند أطراف المدينة. وانتشرت الأوساخ وبقايا رصاص الاشتباكات في بعض الشوارع، فيما لم تفتح سوى الافران التي احتشد عشرات العراقيين أمام كل منها بانتظار دوره. وانقطعت الكهرباء عن المدينة بالكامل ولم يعد أصحاب المولدات قادرين على تشغيل مولداتهم بعد نفاذ الوقود. وذكر أحد سكان المدينة وهو مدرس في إحدى ثانوياتها: «العائلات تركت منازلها وهربت دون أن تدري إلى أي مكان ستذهب». وأضاف: «نتمنى ألا تحدث معركة كبرى». بدوره، طالب رئيس البرلمان أسامة النجيفي الهلال الأحمر بإرسال مساعدات إلى الأنبار.
خطبة وخلفية
وكان شاهد عيان قال إنه بعد انتهاء خطبة الجمعة في الفلوجة أول من أمس «حاصر المئات من المسلحين الملثمين ساحة الصلاة وقاموا بإطفاء الكاميرات وصعد عدد منهم حاملين رايات القاعدة على منبر الخطيب».
وتابع: «تحدث أحدهم قائلا: (نعلن الفلوجة ولاية إسلامية وندعوكم إلى الوقوف إلى جانبنا ونحن هنا للدفاع عنكم ضد جيش (رئيس الوزراء نوري) المالكي، وندعو كل الموظفين إلى العودة إلى أعمالهم حتى الشرطة شرط أن يكونوا تحت حكم دولتنا». وتشكل سيطرة تنظيم القاعدة على المدينة حدثا استثنائيا في بعده الأمني، وأيضا الرمزي، لما تحمله، وهي التي خاضت حربين شرستين مع القوات الأميركية العام 2004، من رمزية خاصة.
خلية أزمة
طالبت القائمة العراقية الحكومة بتشكيل خلية أزمة «من كل الطيف العراقي» لمعالجة التدهور الحاصل في الملف الأمني. ودعا النائب عن القائمة حامد المطلك في بيان تلاه في مؤتمر صحافي مشترك مع عدد من النواب «القوى السياسية وزعماءها إلى أخذ مسؤوليتهم الإنسانية والوطنية والتاريخية تجاه شعبهم وتجاه ما تتعرض له الأنبار ومدنها»، مطالبا بـ«إيقاف القصف المدفعي والهاون على مدن الأنبار والفلوجة خصوصا».
«هيومن رايتس»
دعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بحقوق الإنسان أمس الحكومة العراقية إلى «إجراء تحقيق شفاف وحيادي في أحداث العنف التي وقعت بين قوات الأمن والمعارضين المحتجين في مدينة الرمادي، وملابسات مقتل شقيق النائب أحمد العلواني وخمسة من عناصر حمايته». وأكدت أنه «بدا من تصريحات الحكومة قبل اندلاع الاشتباكات ونشر قوات الجيش بأنها تريد إثارة العنف في المدينة بدلاً من تلافيه».
البيان