علي أبو الريش

أشخاص تحبهم، وتتمنى أن يرحلوا عن الدنيا ليرتاحوا من عذابات مرض عضال، وأشخاص تتمنى أن يمتد بهم العمر، وهم يقبعون تحت وطأة داء وكأداء، ليذوقوا من أذاقوه لغيرهم، فلعلّ وعسى يكون ذلك عبرة لمن يريد أن يعتبر.
شارون هذا الذي مات بعد معاناة مع المرض استمر ثماني سنوات، أحد أكبر الذين لونوا التاريخ، كما أغرقوا الجغرافيا بسيل من دماء المظلومين والمغبونين والمغلوب على أمرهم، كان عندما يدخل مجلس الوزراء الإسرائيلي خاباً جاباً، ساباً القيم الإنسانية بصلافة المتجبرين، المتزمتين، يذهب اليوم بيد ملأى بالسوء، دون أن يجني من زاد الدنيا سوى دعوات المقهورين الذين سحقوا تحت جنازر البغض والكراهية في صبرا وشاتيلا، وفي غزة والضفة الغربية.
يذهب شارون كما ذهب غيره من الطغاة وفي أكفانهم تفوح رائحة الموت، وأنفاس الأرواح التي أزهقت ظلماً وعدواناً .. يذهب شارون ويا ليت اليوم، من يقتل ويسفك الدماء، في أكثر من بلد عربي التي أصيبت بداء الحرية المزعومة، أن يعي الدرس، وأن يستوعب أن طريق المجد لا يبدأ من تدفق أوردة الذين غدروا، والذين هدروا، والذين طردوا من مآلاتهم ليذوقوا مرارة الحرمان، ونكسة الذل والهوان، ومأساة الانكسار والفقدان .. يا ليت تصحوا الأفكار السوداوية وتخرج من كهوف الظلام، وتعرف أن الله حق، وأن الإنسان هو الأغلى والأنفس في هذا الكون (… مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً…)، وهؤلاء يقتلون بالجملة، ويسفون ويتعسفون، ويخسفون تحت سهام شعارات بانت مثل الأمطار الحمضية، تقضي على كل شيء ولا تبقي ولا تذر، شعارات غيرت معالم التاريخ وشوهت الحضارات وأبادت جذور الفكر الإنساني وأصحابها لا يزالون يعتقدون أنهم يملكون مفاتيح الجنّة، وعلى سواعدهم يمر الصراط المستقيم.
ذهب شارون والوطن العربي يصنع شارونات الطائفية والسياسية، بأساليب ما أنزل الله بها من سلطان، وتتورم البالونات منفوخة بأنفاس مليئة بدخان الحقد والكراهية، مزدحمة بتراث تاريخي لا يمت إلى تاريخ ديننا ولا قيمنا، ومكتنزة بشحنات عدوانية، لو نزلت على جبل لحولته إلى عهن منفوش، لو لامست هامات النجوم، لأطفأت بصيصها .. ذهب شارون ووطننا العربي مأزوم بفكر مزق ستارة المسرح، ولم يعد في الذاكرة ما يلهب الوجدان، وتحرير من اغتصب ونكل وقتل، بل إن الجهد ينصب اليوم في حرب البسوس وعنترة بن شداد لم يزل يشهر سيفه ويقول على غير ما قاله عنترة التاريخ القديم «لا تسقني ماء الحياة بذلة .. بل فاسقني بالعز كأس الحنظل».
اليوم يختلط الحابل بالنابل، والشريف بالسخيف، والباطل يزحف سامقاً حقيقة الإنسان .. الإنسان الذي يجب أن يعيش بلا حروب ولا شارونات.

[email protected]

الاتحاد