لا يختلف إثنان على أن مسرح الممثل الواحد (المونودراما) من أكثر الفنون صعوبة في الأداء، وأشدّها تكثيفاً للحالات الإنسانية المتناقضة. هكذا يجهد الممثلون، وكأنهم جياد في سباق القدرة، أو مضمار لاستعراض المهارات في لياقة الحركة والمثابرة على اجتراح الحالات الداخلية المختلفة، وإطلاقها في مساحة الخشبة وفضائها، توسّلاً لاجتذاب العيون والمشاعر حتى الخاتمة المبتغاة.
في الدورة السادسة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، تستمر العروض المسرحية الممتعة من أربع جهات الأرض، على مسرحي جمعية دبا وبيت المونودراما، في هذه المدينة الساكنة على شواطئ بحر العرب والمحيط الهندي، محروسة من جبال الحجر الأسطورية.
وفي الأمسيات التي مضت والتي ستأتي، سنشاهد بملء الحواس أعمالاً لفنانين محترفين بلغات عدة، وهموم متنوعة يجمع في ما بينها الإنسان في انشغالاته وضجره، فرحه وحزنه، غضبه وهدوئه، غنائه وأنينه، حياته وموته..
في ليالٍ مضت، شاهد جمهور مهرجان المونودراما عروضاً على درجة عالية من الرقي في الإخراج والأداء، ولو ظهر جلياً التفاوت في القدرات التمثيلية بين عرض وآخر، وهذا له علاقة أيضاً بالنص أو الإخراج وكيفية توظيف طاقات الممثل للوصول بها إلى أسمى محطاتها. كما أن هذا الاختلاف يرتبط بالخبرة والمراس اللذين يتمتع بهما اللاعب على الخشبة.
ولأن المونودراما هي الإنسان في عظمته وسقوطه، وبوحه الصاخب وحيداً وعلى الملأ، تابعنا بشغف العرض الجنوب إفريقي”امرأة في الانتظار” الذي تحكي فيه الممثلة والمغنية ثيمبي متشالي جونز (65 عاماً) سيرتها الذاتية، ورحلتها المضنية في حقبة الفصل العنصري الذي ساد بلادها، وقدمت على مدى 90 دقيقة تقريباً قدرة فائقة في التعبير الجسدي والغنائي، مستخدمة عناصر بسيطة على الخشبة، وأشياء تتعلق بالميثولوجيا الشعبية، لسرد معاناتها الرهيبة، خادمة في البيوت، بعيداً عن أبنائها، وصولاً إلى عملها ممثلةً ومغنيةً، في شهادة على قوة النفس البشرية وإصرارها على العيش بحرية.
– البيان